المسائل العاجلة… متى تتم مواجهتها ؟/ الدكتور ابراهيم بدران

1- الغلاء

يقول الملك عبد الله الثاني :”لابد من حماية الفئات الاقل دخلاً والطبقة الوسطى من الغلاء وتدني الدخل”. لماذا تكون عمان ثاني اغلى العواصم العربية؟ ولماذا ترتفع الاسعار في كل شيء بشكل غير مسبوق ؟ أمر يقف المواطن أمامه حائراً يائساً. ولماذا يكون متوسط دخل 70% من السكان أقل من 500 دينار شهرياً ،و لاتجد الحكومات أسهل من زيادة الضرائب على السلع و الخدمات العادية في حين يصل التهرب الضريبي إلى 1000 مليون دينار؟ ما الذي حدث في الزراعة والصناعة حتى اصبحت اسعار المواد لدينا تضاهي اسعارها في اوروبا، رغم الفارق الضخم في دخل الفرد؟ هل تم دراسة المسألة بعمق لمعرفة الاسباب؟ وهل هذا الغلاء مبرر وله اسبابه القاهرة ؟ام انه مجرد اقتناص فرص وتحقيق ارباح فاحشة؟ اين الحلقات الغامضة في الاسعار؟ وكيف يمكن كسر هذه الحلقات  وانقاذ المواطن من الضيق و المشقة؟  يصعب الاستمرار على هذا الحال .فعشرات بل مئات الالاف من الأسر لا يمكنها دخلها من شراء الأساسيات. بطبيعة الحال فإن الاعتماد الكبير على الاستيراد ،و تواضع  الانتاج المحلي  و تعثره، وغياب المشاريع الانتاجية ،كلها من الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الاسعار.فنحن نستورد 80% من احتياجاتنا.

المطلوب من الحكومة :1- أن توجه كل وزارة ومؤسسة بدراسة اسباب الغلاء الخاصة بالقطاع ، لتضع بدائل وحلول قطاعية و تفصيلية يتم تنسيقها في وحدة خاصة في الرئاسة و إتخاذ القرار المناسب. 2- الإستثمار و الدفع باتجاه  المشاريع الإنتاجية. 3- التوسع الناجز في  الجمعيات التعاونية و الصناديق الإدخارية والمؤسسات الاستهلاكية، و الاسواق البديلة وخدمة من المنتج إلى المستهلك،  على طريق الإقتصاد الإجتماعي. 4- وضع حد للتهرب الضريبي و “الفساد التنفيعي” ولا بد  من تقديم البدائل والحلول الصحيحة خارج جيوب المواطن . 

2-الأحزاب الوطنية

لعل المسائل الاكثر الحاحا بالنسبة لنا ،و في المنطقة العربية ،تتمثل في: 1– الأمن الوطني.2- مواجهة التطرف والارهاب. 3- المشروع الاقتصادي الإجتماعي لزيادة دخل المواطن،و مواجهة الغلاء والبطالة والفقر. 4-الديموقراطية والمشاركة وتداول السلطة. 5-  تعزيز بنيان الدولة بالمؤسسية و المواطنة والتعددية والتلاحم المجتمعي. 

و رغم مرور اكثر من 60 سنة على استقلال معظم الأقطار العربية فلم تنجح أي منها في بناء نظام ديموقراطي مستقر مستمر، و لا الوصول إلى اقتصاد صناعي متقدم. ولا زالت المنطقة العربية تقع في النصف الثاني من التنمية البشرية و في الثلث الأدنى من مؤشر الديموقراطية العالمية .

يعود ذلك لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها مفهوم “أولوية السلطة على الدولة” ،  و بالتالي العمل الممنهج  على تغييب الأحزاب وتهميشها. إذ لم تقتنع  الإدارات العربية حتى اليوم، ورغم تعثرها الشديد في ادارة شؤون المجتمع ،أن مثل هذا التهميش أمر بالغ الخطورة  ،لأنه ينعكس سلباً على أي عملية سياسية او اقتصادية او اجتماعية تتحرك نحوها الدولة. فمواجهة التطرف والإرهاب والتلاحم المجتمعي تتطلب  توافقا و تكتلا اجتماعيا منظما تقوده مؤسسات تعمل في داخل المجتمع، وبدعم من الحكومة ،أي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. فالأحزاب هي التي تعطي الأجيال أفكاراً وطنية متجددة، وشعوراً بالقوة والانتماء ينجذب إليها و يتفاعل معها الشباب، بدلاً من الأفكار الظلامية التي توجهها الجماعات المتطرفة نحو الشباب،و قوة القتل و التدميرالتي تعرضها الجماعات الإرهابية.

لقد كانت البطالة وغياب فرص العمل، و ما ينشأ عنها من  الاحباط ومشاعر المظلومية، مدخلا هاما للتطرف. ولعل واحداً من الأسباب الهامة وراء الفشل الاقتصادي  ،و كما تبين الدراسات، يعود إلى غياب الأحزاب الوطنية القوية، التي  تأتي ببرامج ولديها حكومات ظل، وبدائل و حلول “خارج صندوق” الإدارة الحكومية التقليدية. و المدقق في أحوال الشعوب يلاحظ أنه لا يوجد دولة في العالم نهضت من التخلف وانطلقت في التنمية الاقتصادية  الإجتماعية إلا ولديها أحزاب قوية متنافسة: كوريا، الهند، ماليزيا،  سنغافورة، الصين وغيرها الكثير. إذ تعمل الأحزاب على تطوير الأفكار و البرامج الاقتصادية، وتحفيز الشباب على الالتحاق بالعمل المجتمعي و الإقتصادي، ومراقبة الأداء الحكومي و بالتالي وجود قاعدة مجتمعية للمساءلة و الشفافية. وتدل الأبحاث والدارسات على انه كلما زادت مؤشرات قوة الأحزاب ازداد معدل النمو الاقتصادي.  السؤال :متى تقتنع الجكومة بالأوراق النقاشية الملكية ،وبتجارب الأمم الناجحة، فتحذو حذوها؟ تلك هي المسألة.

3- زيادة الاقتراض

اشار رئيس هيئة الطاقة النووية في مجلس النواب إلى أن رأس المال المدفوع من أجل بناء المحطة النووية بلغ 3 مليارات دولار وان المتبقي من الكلفة والبالغ 7 مليارات دولار سوف يتم تجميعها من القروض. وهذا التوجه يلقى الضوء مجدداً على عبثية مسار الإقتراض و عقم المشروع من جديد. هل يعقل انه في  اليوم الذي وصلت فيه المديونية الأردنية ما يقرب من 39 مليار دولار، ومعدل نمو الاقتصاد اقل من 2% ستذهب الدولة لتقترض 7 مليارات دولار اضافية ؟ وقد تصل إلى 12 مليار دولار عند اتمام المشروع؟ من اجل مشروع ليس له ضرورة ابداً من الناحية الاقتصادية،  بعد أن أصبح الغاز المسال  يغطي 85% من توليد الكهرباء، و بكلفة معقولة تماما. هذا عدا عن الاخطاء الفنية المتعلقة بحجم المشروع المبالغ فيه جدا بالنسبة لاستطاعة النظام الكهربائي ، والذي سيجبر الاردن للربط مع شبكة كهربائية خارجية ،قد تكون الاسرائيلية حتى تستقر الشبكة الوطنية، بكل الغدر والابتزاز المتوقع من الجانب الاسرائيلي. اضافة إلى مشكلة المياه التي ستحرم قطاع الزراعة من 50 مليون مترا مكعبا سنويا وعدم وجود مياه في حالة الكارثة النووية. 

البديل البديهي هو التوسع في الصخر الزيتي وفي الطاقة المتجددة الشمسية والرياح وفي استخراج الغاز الطبيعي، وفي تطوير النقل الذي يستهلك 42% من الفاتورة النفطية، وتحويله إلى نقل منظم وإلى السكة الحديد. ومرة ثانية نقول أن استثمار 3 مليار دولار في السكة الحديد و 1.5 مليار دولار في تصنيع الاقتصاد الوطني على شكل مشاريع انتاجية و  1  مليار دولار في تنمية المحافظات و 1.5 مليار دولار في الطاقة المتجددة والصخر الزيتي و الغاز، هذا الإنفاق سوف يحافظ على استقلالية قطاع الطاقة ويخلق مئات الالآف من فرص العمل،و يعمر البوادي و الأرياف،  ويترك أثراً ايجابياً على  مستقبل الوطن والمواطن اضعاف ما سيتركه مفاعل نووي في غير أوانه، وغير مكانه، وغير حجمه،و غير مبرراته و تبعاته.

 

المسائل العاجلة… متى تتم مواجهتها ؟/ الدكتور ابراهيم بدران

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري