على قاعدة “إذا ابتليتم فاستتروا”؟!/ جمانة غنيمات

إزاء فضح إدارة الجامعة الهاشمية بعض تفاصيل ما شهده حرمها من قضايا تحرش، وإنزالها عقوبات بحق أعضاء في الهيئة التدريسية وإداريين متورطين في الجرائم، تعالت بعض الأصوات الناعقة؛ بالهجوم على الإدارة، بحجة إساءتها إلى سمعة الجامعة والتشهير بها.

بصراحة، كل من نطق بهذا الرأي أو أيده، صراحة أو ضمناً، هو شخص ضحل جبان؛ ينأى بنفسه عن خوض معركة ضد مشكلة يتسع مداها بالسكوت عليها، وتمس بعض بناتنا في الجامعات.

فعلى مدى عقود طويلة، كان التعامل مع التحرش يتم على قاعدة “إذا ابتليتم فاستتروا”؛ بحجة الحفاظ على سمعة المؤسسة، كما سمعة النساء الضحايا، على اعتبار أن ما حدث ويحدث يسيء لهن وحدهن، فيما الرجال المتحرشون معصومون، يحميهم المجتمع برغم أنهم مجرمون! أي إن التحرش لا يعيب الرجل بقدر المرأة الضحية.

القاعدة المجتمعية في التعامل مع هذا النوع من القضايا، مشوهة لاأخلاقية، لأنها تخرج من عقول مشوهة؛ تؤمن أن فضح التحرش عيب، ومن الأسلم الصمت! وليبقى المخطئ حرا طليقا يكرر فعله المشين، طالما أن لا عقوبة ولا ملاحقة قانونية بحقه.

هكذا، يكون ما قامت به إدارة “الهاشمية” فعلاً شجاعاً جريئاً، لأن الصمت على التحرش بالطالبات وفق عادة “السترة”، أمر مدان تماما، بقدر إدانة الشخص الذي أتى الجريمة.

وما فُضح في “الهاشمية” أزعم انه ليس الأول؛ بل ثمة كثير من القصص ترويها طالبات عن تحرش أساتذتهن بهن، وهن بلا حول ولا وقوة، إلا الهمس بما يواجهن من قبل بعض الأساتذة المرضى.

وقد حاولنا مرة في “الغد” إجراء تحقيق استقصائي حول هذه المشكلة لتقدير حجمها، بعد أن وصلت ملاحظات كثيرة من أستاذات جامعيات عن العديد من الاعتداءات والتجاوزات من أساتذة بحق طالبات، مستغلين خوفهن. لكن التجربة أُحبطت بسبب قلة المعلومات، وعدم تجاوب إدارات الجامعات. وبرر بعضهم رفض التعاون والتعليق بحساسية القصة، كونها تسيء إلى سمعة الجامعات. لكن ماذا عن الطالبات المتضررات؟!

“المفروض” هو أن الأستاذ مصدر العلم والمثال الذي يُحتذى على صعيد القيم والأخلاق. وبعض الاستثناءات المشوهة لا يعني الصمت على المشكلة التي تستفحل بسبب غياب المحاسبة والملاحقة؛ مرة بغطاء مجتمعي يزعم أن فضح المتحرش يسيء للضحية، ومرة بتواطؤ إدارات جامعية تفضل عدم تطبيق القانون بعقوباته الصارمة التي تصل حد الفصل من العمل.

لو كان ثمة تجارب سابقة كرست فكرة ملاحقة المتحرش، لانحسرت المشكلة. ومن هنا تأتي أهمية ما قامت به إدارة “الهاشمية”، بإجراء تحقيق وعدم التستر على هكذا أفعال تحت أي ذريعة. والمنطق أن تتبع باقي الجامعات –وهي المؤتمنة على الطالبات- السياسة ذاتها، ورفض قاعدة “إذا ابتليتم فاستتروا”.

والمسؤولية لا تقع فقط على إدارات الجامعات، بل تشمل أيضا أولياء الأمور. لأن تقديم الشكوى يحتاج، وبصراحة، شجاعة كبيرة، ولا سيما مع جبن آخرين عن ملاحقة الأستاذ المتحرش. وحماية الفتيات هي جزء حاسم من التربية الصالحة التي يسعى إليها الآباء والأمهات.

أما المسؤولية الأهم، فهي مسؤولية الطالبات، إن كنّ يقرأن مقالتي؛ بأن لا يسكتن على حقهن. والتحرش انتهاك لإنسانيتهن وحريتهن، والسكوت عنه جريمة أخرى، أياً كانت دوافعه.

التحرش؛ لفظيا كان أم جسديا، واحدة من آفاتنا الاجتماعية المسكوت عنها، والذي يُرتكب في كثير من المؤسسات، فلا يقتصر على الجامعات، سواء أحببنا الإقرار بهذه الحقيقة أم لا. وكل ذلك نتيجة الصمت عن هذه الآفة وسواها ورفض فضحها. فهل يبقى المجتمع صامتاً إزاء انتهاك إنسانية النساء؟

Related posts

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني

هل ستؤثر إدارة ترامب على مسار حروب نتنياهو؟* د. سنية الحسيني