المعركة لم تنتهِ بعد/ جمانة غنيمات

لم يثبت، حتى اليوم، أن السبب الوحيد لاختطاف الشباب من قبل التنظيمات المتطرفة، ولا سيما تنظيم “داعش”، هو الوضع الاقتصادي الصعب. وضمن ذلك، لم تؤكد القراءات والتحليلات أنّ الفقر والبطالة وحدهما مسؤولان عن اختراق مثل هذه الأفكار الإرهابية لمجتمعاتنا. بل إن التفسيرات القائمة على أن الظروف الاقتصادية هي ما يدفع الشباب إلى أحضان “الشياطين”، تنسفها حالات متكررة لشبان اعتنقوا التطرف رغم تعليمهم، وكون أوضاعهم المالية مريحة. ما يعني أن الحالة الاقتصادية، وما يرافقها من أمراض اجتماعية، تبقى ضمن قائمة الأسباب التي تهيئ لمثل هذه السرطانات نخر مجتمعاتنا، لكنها ليست الوحيدة المسؤولة عن ذلك.

مع ذلك، يظل ثمة عنصر مهم ينجم عن الأسباب الاقتصادية القاسية، فيغذي الأفكار المتطرفة، ويخلق بيئة مواتية لها، هو المتمثل في الشعور بغياب العدالة وتكافؤ الفرص، مع ما يتولد عن ذلك من احتقان وعدم رضا.

وإذا سلمنا أن الظروف الاقتصادية القاسية واحدة من أهم الأسباب/ البيئات لانتشار الأفكار المتطرفة، فإن علاجها يحتاج عملا طويلا يهدف بالنهاية إلى تجفيف الشعور بالظلم والإحساس بالسخط على كل ما هو محيط بالمرء.

ورغم أنه لا توجد وصفة واحدة لمحاربة التطرف، بحكم تشعّب مسبباته، فأظننا بتنا قادرين على تحليل كل الأسباب التي تهيئ البيئة للاختراق؛ فيما التصدي لها لم يبدأ بشكل عميق بعد.

هكذا، فإن ما حدث في الكرك ليس مفاجأة، وكذلك في إربد، وقبلهما في البقعة والركبان، لأن الحكومات، وعلى مدى سنوات مكافحة الإرهاب والحرب ضده، أهملت كل العلاجات باستثناء الأمني منها؛ وهو رغم أهميته لا يكفي أبدا لمواجهة هكذا عدو. فالحل الأمني ضرورة، ومتابعة وملاحقة المتورطين مطلب لا تنازل عنه، كما إيقاع أقسى العقوبات بحقهم. لكنه حل غير كاف، لأنه لا يحصّن المجتمع من الإرهابيين، طالما بقيت البيئة الحاضنة من دون تغيير.

الأردن بدأ الحرب على الإرهاب منذ سنوات طويلة، وصار عنوانا مهما لها. وإذ نجحنا كثيرا على المستوى الاستخباري والعسكري والأمني، فماذا فعلت باقي المؤسسات؟

الاعتراف بجوانب التقصير بات ضرورة، لأن الاستمرار في حالة الإنكار من قبل البعض، والاكتفاء بحلول وأفكار سطحية، لا تطبق غالباً، يعنيان مزيدا من الخسائر.

اليوم، خلال وبعد حوادث الكرك، ثمة جو عام وموقف شعبي صريح برفض التنظيمات الإرهابية. لكن ذلك لا يمنع أن بيننا كثيرا من الشباب ذوي العقول المنحرفة الذين يؤمنون بأفكار “داعش” وأمثاله. والعمل يجب أن يكون في أكثر من اتجاه. الأول، اعتراف مهم بأن من اختُطفوا من الصعب استعادتهم. فهؤلاء يحتاجون عملا مديداً لحماية المجتمع من شرورهم ومخططاتهم الآثمة، من قبل الأجهزة الأمنية.

أما الاتجاه أو الجبهة الثانية، فترتبط بتحصين الآخرين من العدوى. لأن الغضب والسخط إن وجدا، يشكلان عاملا يمكن استثماره من قبل الإرهابيين لتحقيق اختراقات، لا سيما في حال تضافر هذين العاملين مع تدني مستوى الوعي والفراغ الفكري لدى الشباب.

بالنتيجة، الجبهة الخارجية في التعامل مع “الدواعش” هي الأسهل. أما الجبهة الأصعب، فتتمثل حتماً في وضع مخطط حقيقي لمعالجة المسببات المحلية التي أعطت الفرصة للجنون والانحراف، سواء تمثلت في بيئات تعليمية أو حالة اقتصادية صعبة، أو سواهما من عوامل لم يبدأ علاجها بعد.

اليوم لا مجال للمجاملة والترحيل، لأن المواجهة أوجبت، ضمن الحرب المستمرة التي يستلزم الانتصار فيها، تحضير الأسلحة الفكرية قبل المادية والأمنية. وعلى الجميع مسؤولية المواجهة بأدوات راسخة، تساعد في تجاوز المرحلة الصعبة على الجميع. فالمعركة الحقيقية للأردن بالكاد بدأت.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري