لن يمر وقت طويل قبل أن تتسرب تفاصيل الجلسة السرية للنواب والحكومة حول العملية الإرهابية في الكرك، والتي تبناها أمس تنظيم “داعش” الإرهابي. وإذا جاز لنا التخمين، فإن المعلومات التي قدمتها الحكومة للنواب في الجلسة السرية، لا تزيد كثيرا عما قاله وزيرا الداخلية والإعلام في المؤتمر الصحفي أول من أمس، وأقل من تلك التي نشرتها وسائل إعلام عن تفاصيل العملية ومجرياتها من القطرانة وحتى القلعة، أو المعلومات الوافية التي نشرتها “الغد” أمس عن الإرهابيين الأربعة.
والاجتهاد الذي توصل إليه النواب والحكومة بجعل الجلسة سرية، كان خيارا صحيحا في اعتقادي؛ ففي غياب التغطية الإعلامية، يمكن إدارة نقاشات منتجة وعملية بين السلطتين، بعيدا عن تسجيل المواقف. وهذا لا يصادر حق النواب في مساءلة الحكومة لاحقا أو طرح الثقة بوزرائها.
لكن الأهم من ذلك، الاتفاق على تشكيل آلية عمل مشتركة لمراجعة عمل الأجهزة المعنية.
ولا بأس في هذا السياق من طرح الأسئلة الحرجة بروح المسؤولية الوطنية، لأننا، وكما يبدو من سلسلة العمليات الإرهابية الأخيرة في الأردن، إزاء تحد مفتوح على كل الاحتمالات، والمؤكد أن عملية القلعة لن تكون المحاولة الأخيرة لاستهداف أمن الأردن، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار عديد المحاولات التي يتم إحباطها من دون الإعلان عنها.
وعلى كل المستويات الرسمية والأهلية، هناك حاجة لمراجعة مصفوفة الإجراءات الاحترازية والخطط الوقائية، وعمليات الطورائ في مثل هذه الظروف، خاصة عند العاملين في الأجهزة الأمنية المساندة والهيئات المدنية من بلديات. على سبيل المثال، إلزام جميع المواطنين بتوثيق عقود إيجار المنازل والمحال التجارية لدى البلديات فور توقيعها. ولا بأس من التفكير بتشكيل لجان الأحياء في مختلف المدن والبلدات.
وظهرت من مجريات عملية الكرك، الحاجة لمراجعة نظام الإنذار الأمني على مستوى المملكة، وبين الأجهزة الأمنية ذاتها، لضمان الرد السريع على مصادر التهديد والتحرك في الوقت المطلوب عند وقوع حدث إرهابي.
لا نود الوصول إلى هذه المرحلة، لكننا في الواقع نعيش حالة طوارئ حقيقية، حتى من دون إعلانها رسميا. علينا أن لا ننكر هذه الحقيقة ونتصرف وكأننا نعيش حياة طبيعية. فرنسا، أعرق الديمقراطيات في العالم، أعلنت حالة الطوارئ، وتمددها دوريا.
ما الخطوات التي يمكن القيام بها خلال هذه الأيام، للإبقاء على الزخم الشعبي المعادي للإرهاب؟
لقد أثبتت عملية الكرك أن سياسة الدولة في محاربة الجماعات الإرهابية داخليا وخارجيا ليست سياسة معزولة، بل إنها تحظى بتأييد شعبي عارم، بلغ بأبناء الكرك الشجعان حد حمل السلاح والخروج لمقاتلة الإرهابيين.
ينبغي على الحكومة أن تحتفي بهذه الحالة، وأن تعظمها في خطابها الإعلامي، فحتى اليوم لم أسمع مسؤولا حكوميا خرج ببيان رسمي أو تصريح يشكر الكركيين على وقفتهم الباسلة.
ماذا لو ترجمنا ذلك بخطوة عملية؟
الخطوة المقترحة أن يعقد مجلس الوزراء جلسة خاصة في قلعة الكرك، تكريما للشهداء الذين سقطوا على أبوابها، وتقديرا وعرفانا لأبناء المحافظة على موقفهم البطولي، وردا على محاولة الإرهابيين تدنيس القلعة التاريخية، ولتكون رسالة للعالم كله أن مواقعنا السياحية آمنة ومستعدة لاستقبال السياح الأجانب. ولنكرم الشبان الأبطال من أبناء المدينة وقوات الأمن والدرك، بإشراكهم في جلسة المجلس، جنبا إلى جنب مع الوزراء.