عروبة الإخباري – ضمن اللقاءات الفكرية لمنتدى الفكر العربي، ألقى أ.د. حميد الجُميلي المستشار وأستاذ الاقتصاد في جامعة الزرقاء، مساء الثلاثاء 20/12/2016، محاضرة بعنوان “إشكالية الاستثمارات العربية البينية والاستثمارات العربية الموظفة في الخارج”، تحدث فيها حول التطورات في البيئة الاستثمارية العالمية، ومناخ الاستثمار في الدول العربية، وواقع حركة الأموال العربية الموظفة في الخارج، والاستثمارات العربية البينية، وما تشهده اقتصادات الدول المتقدمة من نمو وتحسن في المؤشرات المستقبلية إذا ما تراجعت التوترات السياسية العالمية.
أدار اللقاء وشارك فيه د. محمد أبوحمور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، بحضور اقتصاديين وخبراء في الاستثمار والمال والمصارف وأكاديميين وإعلاميين.
كلمة د. محمد أبوحمور
قدم د. محمد أبو حمور للمحاضرة بكلمة أشار فيها إلى أهمية موضوع المحاضرة كون قضية الاستثمارات العربية البينية مرتبطة بالاقتصادات الوطنية وكفاءة البيئات الاستثمارية فيها؛ داعياً إلى العمل على معالجة أسباب الضعف في العمل العربي المشترك والقصور التنموي بتفعيل القطاعات الإنتاجية وتكاملها.
وقال د. أبوحمور: إن الفجوة المتزايدة بين حجم الاستثمارات البينية والاستثمارات الأجنبية في الدول العربية والأموال العربية المستثمرة في الخارج، تحتم عملاً مؤسسياً عربياً مشتركاً وفاعلاً يسبقه إصلاح لمجالس العمل الاقتصادي العربي المشترك، وتطوير استراتيجيات واضحة في هذا الصدد، وخاصة في مجال التشريعات والأجهزة المالية والمصرفية والجمارك وحركة العمالة، والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات بغرض وضع إطار لتأسيس التبادل الاستثماري العربي، ومنح الاستثمار العربي الأفضلية، فما زالت الاستثمارات العربية البينية دون مستوى الطموحات.
وأضاف د. أبوحمور أن مصطلح التكامل الاقتصادي العربي ما يزال يراوح مكانه دون تطبيق حقيقي له، وأن هناك حاجة ضرورية لتوفير معلومات محدّثة للمستثمرين العرب، وإصدار التقارير الاقتصادية التنموية، وتبني مؤشرات عربية عن الشفافية والنزاهة، وبيئة الاستثمار والتنافسية، وتأسيس قاعدة بيانات وأطلس عربي للمشروعات المشتركة، مع تطبيق قرار مؤتمر القمة الإسلامية بإنشاء صندوق عربي للزكاة على طريق تحقيق صندوق عالمي للزكاة، والتشجيع على إنشاء صناديق للحج، والإفادة من الثروات الهائلة غير المستثمرة لمؤسسات الأوقاف، وبالتوازي مع ذلك العمل على التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، وتشجيع الريادية والشركات والاستثمار الخاص والتعاونيات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما أشار د. أبوحمور إلى دور الصناديق الاستثمارية العربية، وأهمية التشابك والتنسيق فيما بينها، والتهيئة المناسبة للبيئة الاستثمارية بالإصلاح الضريبي والتشريعي واستقرار التشريعات، مما يجعلها بيئة جاذبة وليس طاردة كما هو الحال اليوم في معظم الاقتصادات العربية، إلى جانب تمتين أسس الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام.
محاضرة أ.د. حميد الجُميلي
وفي محاضرته بيّن.د. حميد الجُميلي أن التدفقات الرأسمالية العالمية شهدت تطوراً إيجابياً بعد تراجع آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الحادة، وتراجع حالة الانكماش في الاقتصاد العالمي وخاصة في الدول المتقدمة التي بدأت تشهد نمواً اقتصادياً متواصلاً منذ عام 2012. وفي ضوء التوقعات الإيجابية بشأن الأزمة العالمية من المتوقع زيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية العالمية المباشرة خلال الفترة 2016–2020 بنسبة (10%)، إلا أن هذا التوقع مشروط بالعوامل الداعمة لنمو الاقتصادات المتطورة والاقتصادات في مرحلة التحول، ومشروط كذلك بتراجع التوترات السياسية العالمية.
وأوضح أنه في ضوء ذلك، فإن توقعات تحسن البيئة الاستثمارية العالمية أدت إلى احتدام التنافس الدولي على الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما فيها التنافس بين الدول العربية على جذب هذه الاستثمارات. لكنه حذر من أن استمرار السياسات العربية الاقتصادية في الابتعاد عن الرشادة سوف يضائل من جاذبية المنطقة العربية للاستثمارات الأجنبية المباشرة والبينية من ناحية، ومن ناحية أخرى سوف تزداد هجرة الأموال العربية إلى الخارج على حساب الاستثمارات العربية البينية، بل أن المنطقة العربية ستصبح أكثر طرداً للاستثمارات الأجنبية والعربية على حد سواء.
وقال د. الجُميلي أن فقدان الاقتصادات العربية قدرتها على تحسين بيئتها الاستثمارية بالشكل الذي يؤدي إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة واستقطاب الاستثمارات العربية البينية ووقف هجرة الأموال العربية إلى الخارج، يفسر أسباب ضآلة نصيب الدول العربية في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم والذي لا يتجاوز (3.5%) من الإجمالي العالمي خلال الفترة ما بين 2000–2014 ونحو (9.5%) من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدول النامية خلال نفس الفترة.
كما أن تدهور مناخ الاستثمار في الدول العربية يفسر من ناحية أخرى أسباب هجرة الأموال العربية إلى الخارج والتي تقدر بحوالي (5) ترليون دولار، وتدني الاستثمارات العربية البينية المتراكمة والمنفذة إلى (370) مليار دولار خلال الفترة (2003–2015)؛ مشيراً إلى أن التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية هبطت من (47.5) مليار دولار في عام 2013 إلى (44) مليار دولار عام 2014، أي بنسبة هبوط (8%). ومثلت هذه التدفقات ما نسبته (3.6%) من مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة الواردة عالمياً في عام 2014 وما نسبته (6.4%) من مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية الوافدة إلى الدول النامية والبالغة (681) مليار دولار عام 2014. ويلاحظ أن هذه التدفقات تتركز في عدد محدود من الدول العربية، تأتي في مقدمتها السعودية والإمارات العربية (41%)، ثم مصر (11%)، يليها العراق (10.9%)، والمغرب (8.2%)، ولبنان (7%)، وفي المرتبة السابعة الأردن بحصة (4%) من إجمالي التدفقات الاستثمارية الأجنبية.
وتتصدر الولايات المتحدة قائمة نسب استثمارات الدول المتقدمة في الدول العربية من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة إلى الدول العربية والبالغة (44) مليار دولار، بنسبة (26.69%)، ثم فرنسا (21.02%)، والمملكة المتحدة (16.07%)، وإيطاليا (16.01%)، وسويسرا (8.43%)، وألمانيا (3.67%)، وهولندة (2.29%)، واليابان (1.97%)، وأسبانيا (1.79%)، والدنمارك (1.66%).
وفيما يتعلق بالاستثمارات العربية البينية، قال د. الجُميلي: إن قطاع الخدمات المالية والمصرفية يعد الأهم في استقطابه للمشروعات العربية البينية، إضافة إلى قطاع التجارة والمقاولات والعقارات والسياحة. وتشكل الاستثمارات العربية البينية المنفذة في الدولة العربية جزءاً بسيطاً من الأموال العربية الموظفة خارج الوطن العربي والتي تجاوزت الـ (5000) مليار دولار.
وأشار إلى أن الأموال العربية المغتربة الوافدة عربياً لا تستثمر في القطاعات الإنتاجية، وإنما تودع في مصارف أجنبية تعمل في الوطن العربي، وهذه الإيداعات المصرفية تعود وتستثمر في النظام المالي العالمي دون أن تستفيد منها الاقتصادات العربية؛ محذراً من قصور الفكر الاستثماري العربي البيني الذي يتمثل في العزوف عن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وتفضيل الاستثمار في الأصول السائلة وفي القطاعات سريعة العائد قليلة المخاطرة كالاستثمار في الخدمات المالية والمصرفية.
وأضاف بعد استعرض الإشكاليات المتعلقة بذلك إلى أنه ليس من الحكمة النظر إلى الاستثمارات العربية البينية كبديل للاستثمارات الأجنبية والعربية الوافدة، فإذا كان دور الاستثمارات العربية البينية الإسهام في تصحيح اختلالات الهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي، وتعميق التشابك القطاعي بين الاقتصادات العربية، والإسهام في التكامل الإنمائي، فإن دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة يتركز في المشروعات عالية التكنولوجية ذات التكاليف الباهظة؛ مؤكداً أن أهمية الاستثمار العربي البيني تتمثل في إعطاء حركة ديناميكية للقطاعات الإنتاجية بحيث يسهم هذا النوع من الاستثمار في تصحيح الاختلالات الهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية وتحقيق التكامل الإنتاجي الذي يعد شرطاً مسبقاً للتكامل التجاري والاستثماري، ومن هنا تأتي أهمية صياغة سياسة استثمارية ملائمة لطبيعة الاقتصادات العربية ضمن تطور تنموي شامل.