الإرهاب من الذعر إلى الصراع/ إبراهيم غرايبة

تبدو عملية الكرك الإرهابية منسجمة مع السياق الذي اتخذه الإرهاب في الأردن مؤخرا (الموقر، والركبان، والبقعة، ومهاجمة أفراد ودوريات للشرطة)؛ فجميعها عمليات تستهدف، بوضوح وقصد، الجيش والأمن، وليست عشوائية. كما تُظهر قدرا عاليا من التدريب والحرفية والتخطيط والمفاجأة، ما يدل على أنها وإن كانت تبدو فردية أو تنفذها مجموعة صغيرة، فإنها جميعا تنتمي إلى تفكير واحد وخطة واحدة، وهدفها خلق حالة من الذعر والرعب كما في عملية الفنادق (2005)، أو في العمليات الإرهابية التي جرت في أوروبا والولايات المتحدة، مثل مهاجمة الساحات والملاهي والكنائس.

هي، إذن، ليست عمليات “ذئاب منفردة” (إلا في طريقة تنفيذها)، وليست مستقلة عن بعضها؛ إذ لا يمكن أن تكون أهدافها وسياساتها واحدة، إلا أنْ تنتظمها وتخطط لها جماعة أو قيادة أو جهة أو دولة واحدة. كما تعكس تطورا مهما ونوعيا في الإرهاب، فهي عمليات ذات أهداف ورسائل سياسية مباشرة، ونفذت بدقة ووضوح على نحو يذكر بصراع الدول والأنظمة السياسية في أيام الحرب الباردة.

وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراء هذه العمليات، فإنها بمعيار القدرة والدافع والمصالح ومستوى وطبيعة الأداء والمحتوى، تؤشر إلى صراع سياسي، وتحمل رسائل سياسية، فلا تقف وراءها جماعات أو جهات ارتجالية. ربما تكون التنظيمات الإرهابية طورت نفسها أو تحالفاتها لتتحول من مجرد كونها ارتجالية معبأة بالكراهية، إلى أن تكون جزءا من منظومة سياسية وإقليمية أكثر تعقيدا واحترافا. وهي، على أي حال، بالنسبة للمراقبين الذين لا يملكون معلومات سوى ما ينشر في وسائل الإعلام، وبغض النظر عن المسؤول المباشر أو المخطط لها، تبالغ في وضوحها وفي محتواها ورسالتها، وكأن القائمين عليها يخشون أن تفهم أنها مجرد تطرف ديني، أو لأجل “شفاء الصدور”!

لكن ثمة سؤال يبدو ردّا على المقولة السابقة؛ لماذا كان الإرهابيون يقدمون أنفسهم بوضوح أنهم متدينون وسلفيون؟ لماذا لم يخفوا مظاهر التدين التي تبعث على الريبة بهم؟ هل تحولت المظاهر الدينية إلى علامة ارتياح وطمأنينة بين الناس، ولم تعد تثير السؤال والشك؟ القتلة في عملية الكرك، كما نشرت وسائل الإعلام، كانوا ينتمون إلى جماعات متطرفة قتالية ولهم أسبقيات معروفة في ذلك ولا بد أنهم مراقبون. هل كان تغيير مظاهرهم وسلوكهم يثير الريبة أكثر من بقائهم كما هم؟ ربما يكون تغيير مظاهر التدين يعزلهم عن الجمهور العام، بمعنى أنهم لا يعودون قادرين على التأثير الفكري والديني في محيطهم، كما التجنيد واجتذاب المؤيدين والمقاتلين، ويضعهم في حالة من السرية والعزلة التي تحيد عملهم الدعوي، وتجبرهم على اجتناب كل الأنشطة والعلاقات السابقة، وفي ذلك خسارة لعمل تأثيري غير مسلح لكنه بالنسبة للجماعات لا يقل أهمية وربما يزيد على العمل السري والإرهابي.

لا تمنحنا الإفادات والمعلومات المتاحة، برغم كثافتها وإغراقها في معرفة وتحديد العدو. ولم يعد كافيا القول إنها عمليات فردية معزولة، برغم أن ذلك أكثر خطورة من انتمائها إلى دول أو جماعات منظمة ومعروفة. وبالطبع، فإنه يمكن الحديث، من دون مجانبة للصواب أو المنطق، عن البيئة الاجتماعية والاقتصادية والإقليمية المنشئة للعنف والكراهية.

 

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري