عروبة الإخباري- حلّت الذكرى السادسة لانطلاق “ثورة الحرية والكرامة”، في محافظة سيدي بوزيد التونسية، أمس السبت، لكن المحافظة التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 عندما أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه، استقبلت هذا اليوم بوضع مشابه لذلك الذي ثارت ضده منذ ست سنوات وسط استمرار شكاوى أبنائها من عدم تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي خرجوا من أجلها قبل سنوات ويستمرون في المطالبة بها إلى اليوم. على الرغم من ذلك، تأمل سيدي بوزيد، بعد كل هذه المراحل، في استنباط إرادة سياسية فاعلة تخرجها من الحرمان والتهميش، وهي التي أهدت الحرية والتعددية والديمقراطية للبلاد بأكملها.
وأحيت المحافظة، أمس السبت، ما تصفه بـ”العيد الوطني للثورة”، على اعتبار أن 14 يناير/ كانون الثاني 2011، اليوم الذي أجبر فيه المتظاهرون الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على مغادرة البلاد، لم يكن إلا تتويجاً لما بدأه محمد البوعزيزي، عندما أقدم على إحراق نفسه احتجاجاً على مصادرة عربته الجوالة التي يقتات منها. واستقبلت سيدي بوزيد للسنة الخامسة على التوالي زواراً من مختلف البلاد، مع العلم أنها طردت في أكثر من مرة رؤساء أو مسؤولين رفيعي المستوى، في هذه المناسبة، وحمّلتهم مسؤولية غياب إرادة سياسية فاعلة تحسّن من وضع المنطقة وتقدم لها ما طالبت به منذ ست سنوات من تشغيل وتنمية. ولم تنل سيدي بوزيد شيئاً من مطالبها، ولا الحدّ الأدنى، وفق ما أكد ناشطون مدنيون في المنطقة، ما يعني استمرار المطالبة بحاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية، التي تأتي في مقدمة الشعارات المرفوعة في هذه المناسبة.
في هذا الإطار، أكد رئيس جمعية جودة الحياة، نوفل اليوسفي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الاحتفال السادس بذكرى اندلاع الثورة يجب أن ترافقه إنجازات حقيقية تخدم شباب سيدي بوزيد وتوفر لهم عيشاً كريماً”. وأضاف أن “التنمية لم تطرق البتة أبواب المحافظة ولا حتى بحدّها الأدنى، والحديث عن برمجة اعتمادات لمصلحة المنطقة يجب ألا يظل مجرد عناوين وشعارات، بل يستحق دراسة معمّقة لما يمكن إسناده من اعتمادات وسبل الإنجاز السريع”.
بدوره، اعتبر الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل في سيدي بوزيد، الأزهر الغربي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الثورة التي تعد أهم المحطات التي عاشها التونسيون في التاريخ المعاصر، تُوّجت بفرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وقدمت درساً للإنسانية في الثورات السلمية القادرة على التغيير، كما قدمت مكسبين أساسيين وهما إسقاط النظام وتأمين الحرية والتعددية والحريات النقابية وتنظيم أكثر من انتخابات ديمقراطية، لكن هذه الثورة لم تقدّم شيئاً لشباب المنطقة وسكانها”.
وأوضح الغربي أن “نسبة البطالة المرتفعة والفقر المستشري في كافة معتمديات المحافظة، تسجل أدنى معدلات التنمية في كافة البلاد”. وأشار إلى أن “المنطقة تحتوي على ثروات طبيعية هامة وتساهم مساهمة فعالة في تنمية البلاد، ولها موارد طبيعية كمقاطع الحجر والفوسفات، في حين أن مختلف الحكومات المتتالية لم تقدم شيئاً لها في مجال التنمية والاستثمار والتشغيل، ما عدا مؤسسة صناعية وحيدة لرجل أعمال، على الرغم من أن الوعود كانت كثيرة إبان الثورة، من بينها مشروع للفوسفات في المكناسي وتسوية ديون صغار الفلاحين وغيرها”.
وأرجع الغربي عدم الاستجابة للمطالب إلى “ضعف أداء السلطة الجهوية وغياب المراقبة والمتابعة من طرف السلطة المركزية، بل ازدادت الأوضاع سوءاً، إثر تفشي ظاهرة البطالة وتدهور أوضاع الناس في ظل وضع معيشي يتميز بارتفاع الأسعار، ولا تزال آمال الشغالين والشباب معلقة على أمل أن يقطفوا ثمار ثورتهم”.
من جهتها، لم تخرج الطبقة السياسية في سيدي بوزيد عن “الإجماع” حول تردّي وضع المحافظة. وفي هذا الصدد، قال النائب عن كتلة النهضة، الوزير السابق نوفل الجمالي لـ”العربي الجديد”، إن “سيدي بوزيد قدمت الكثير للتونسيين، في المقابل لم يكن ما تحقق في مستوى انتظارات أبنائها، ولا يمكن أن يكون سكانها راضين على الوضع، فالمنطقة التي كانت خارج التاريخ والجغرافيا وخرجت من الصفر لم تبتعد عنه كثيراً باستثناء تحسن على المستوى البنية التحتية”.
وأردف الجمالي بأن “مطالب أبناء المحافظة هي ذاتها وحتى تلك الملحة والعاجلة المتعلقة بإحداث مستشفى جامعي لم تجد لها آذاناً صاغية، وأكبر ما تحصّلت عليه الجهة هو مشروع طريق في إطار مؤتمر الاستثمار، إذ لا يشجع المناخ العام لها لبعث مشاريع بسبب ضعف البنية التحتية”.
ولفت الجمالي إلى أن “الطبقة السياسية لا تملك أي تصور لتطبيق الدستور فيما يتعلق بالتمييز الإيجابي”، داعياً إلى “التحلي بالواقعية في التعامل مع وضع سيدي بوزيد، لا سيما أن البلاد تمر بوضع اقتصادي صعب. ولا يتعلق الأمر بالإرادة السياسية بل بالوضع المالي العام للبلاد. وقد أبرزت مناقشات قانون المالية أن البلاد لا تتمتع بالإمكانيات اللازمة لإحداث مشاريع”. ونوّه إلى أنه “في إطار التفاعل الإيجابي مع السلطة التنفيذية، يسعى نواب سيدي بوزيد، إلى حث السلطة على الاستثمار في المحافظة وإعادتها للخريطة التنموية”.
في المقابل، أفاد رئيس حزب الديمقراطيين الاجتماعيين، النائب أحمد الخصخوصي لـ”العربي الجديد”، أن “المسؤولية في تعطل إنجاز أي مشروع في سيدي بوزيد، تتقاسمه السلطة مع المجتمع الأهلي، فالأولى لم تحقق مطالب سيدي بوزيد، والثاني يعارض كل شيء. بالتالي إن أمر تهاون السلطة مفروغ منه وقد تم الحديث عنه، فيما لم يتم التعرض إلى أداء المجتمع المدني ومطالب المحافظة في التوظيف العمومي. وهو قطاع يشهد تضخماً بدوره ومصاعب. كما أن هذا الاختلال بين جناحي الفعل (السلطة والمجتمع الأهلي) قد زاد من تأزم الوضع أكثر”.(العربي الجديد)