عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – رغم كثرة النافخين في الكير ممن تطاير شرار نفخهم ليصيب الكثيرين بالحرق او التشويه او الاتساخ إلا أن الرئيس محمود عباس أعاد بناء شرعية قيادته وضرب الحديد الساخن في انتخابات لا تستطيع حتى دول مستقرة مضى عليها قرون ان تنجزها بنفس الكيفية.
كان على أم الولد ان تنهض بسرعة لتبقيه حيا حين تجمعت القبائل على دمه وكل ينتسب اليه لا حبا به وانما رغبة في القائه في غيابة الجب وان يأتوا على قميصه بدم كذب وكأن الذئب قد أكله.
منذ ترك عش الحمام الفلسطيني نهبا للثعالب كما قال محمود درويش ومنذ تأخر قيام القيامة العربية لتحميه فقد كانت المراودة مستمرة من امرأة العزيز ومن كنّ على غرارها من النسوة اللواتي يعملن بالقطعة والاجر.
ما الذي يدفع الرئيس محمود عباس الى التصلب أمام الضغوط التي تحملها الرباعية العربية عليه.. وهل تدرك الرباعية ابعاد مخاوف عباس التي تتعدى ادخال افراد من الحرس مقابل افراد الى مشاريع.
عباس امام استحقاقات كبيرة وهو قادر على ادارة الازمة ولديه تصورات محددة لحلها رغم انه يدفع الى جدار الاحتلال لتصبح خياراته قليلة ماذا عليه ان يفعل لكسر الحلقة والبحث عن طريق واعادة التوازن لعلاقاته العربية.
هل يقدم الرئيس عباس بسرعة للتفاهم مع حماس التي طال انتظارها والتي يريد دحلان ان يغازلها بتقديم فواتير لها ابرزها اعادة تأهيل علاقاتها مع مصر وهذا ما يراهن عليه دحلان في اللقائين الذين عقدا على الارض المصرية ضمن وعود لمصر بتمكينها من الاستقرار في سيناء وعودة العلاقات ونفوذ لها في غزة مقابل تأهيل حماس لعلاقات مصرية افضل وتخليصها من الضغط القطري في غزة حيث يلعب السفير القطري في غزة دورا اقرب الى دور المندوب السامي كما تصف قيادات في فتح هذا الدور .
الخشية ان يقترب دحلان من حماس اكثر وان يقنعها ويؤسس لها دورا سياسيا جديدا وسط الضغوط التي تواجهها وان يتقدم لها ببدائل عن الدور القطري الذي ما زال هو الدور الوحيد في اسناد حالة غزة ومنعها من الانهيار ودعمها لتبقى صامدة وسط ضغوط رهيبة.
اذن دحلان يريد ان يقنع حماس بدولة غزة وجوارها من النقب ومع نفوذ المصري يغري به المصريين وبالتالي اعادة فتح اوراق الرئيس مرسي التي تحدث عنها الرئيس عباس قبل ان تطوى مؤقتا فهل ينتبه ابو مازن لذلك ويقطع الطريق على دحلان مرة اخرى حتى لا يصطاد في المياه المعكرة بين السلطة “فتح” وبين حماس .. ان الوقت ضيق والضغط الاقتصادي على حماس كبير وبالتالي فإن عربون فتح المعابر او تسهيل الاجراءات المصرية عبرها او استقبال دحلان لمؤتمرين في مصر دعا فيها انصاره وكذلك استقبال مبعوثين من حماس او من شخصيات قريبة منها كل ذلك لا بد انه لفت انتباه الرئيس عباس فهل يختار الاقتراب من حماس ام اعادة دحلان والتفاهم معه وبلع الطعم !
لقاء عباس وحماس وتفاهمهما كفيل بقطع الطريق على دولة غزة اذ لم يعد لحماس الان قوة او نفوذ كافيا مهددا للرئيس عباس في الضفة الغربية.
اعتقد ان الرئيس يستطيع ان يوظف الصورة الايجابية الجديدة له بعد الانتخابات المركزية ومجلس ثوري فتح في الغرب ولدى دول عربية لا بد ان يقوم بزيارتها وهو يمسك العصا من النصف.
دحلان يحاول الآن ان يدخل على خط حماس وهو يستفيد اذا ما بقي الرئيس عباس مترددا في احتواء موقف حماس والتصالح معها ووضع قواسم مشتركة . ولدى دحلان اوراق خطيرة ، ظل عباس يحذر منها وهذه الاوراق او المشاريع قد تتفهمها حماس وسط الضغوط القوية التي تواجهها الان وخاصة من مصر.
فالرئيس عباس كان اول من كشف عن مخطط دولة فلسطين في غزة والذي كانت مصر في زمن الرئيس مرسي تتفهمه وتريد الاخذ به في انشاء دولة غزة مع امتداد سيكون هذه المرة في النقب مع مشروع تبادل اراضي في حين لا تنسحب الدولة الفلسطينية المقتصرة على غزة على الضفة الغربية وتكتفي ان يكون في الضفة الغربية حكما ذاتيا موسعا يرتبط مع الاردن في صيغة ما.
الوقت ضيق وهناك سباق بين مشروع دحلان الذي سيقدمه الى حماس متذرعا انه ليس بالامكان احسن مما كان وان هذا يتجانس مع مقولات خذ ثم طالب او الدولة المؤقتة تحت تبرير ايجاد منصة للتحرير اللاحق او منطلقا اليه من خلال غزة وتجسيد لمقولة اي شبر يجري تحريره وها هي غزة محررة في المشروع الجديد ولديها اراض اوسع واكبر مما كان الوعد به قائما.
ام انها تريد اختيار مرحلة محددة وان تنجز خطوة مطلوبة تستجيب فيها لضغوط دولية .. هل المسألة هي مجرد اعادة مفصولين من حركة فتح الى صفوفها ام ان المسألة تتخطى ذلك لطرح مشاريع تتصادم مع القضية الفلسطينية كما يعتقد الرئيس ابو مازن والذي يرى ان من تريد الرباعية اضافتهم انما يحملون مشاريع محددة هي السبب في دفعهم للعودة الى صفوف فتح والى مواقع قيادتها وهذا ما يفسر رفض محمد دحلان العودة الى فلسطين من خلال المجلس التشريعي وصندوق الانتخاب وانما من خلال فتح واطاراتها التنظيمية فهل قطع ابو مازن الطريق على هذا التوجه وهل سيشير موقف ابو مازن الذي ضرب الحديد الفتحاوي الساخن ليستوي على هيئة النتائج التي حصلت ..
وهل ستكف الرباعية العربية عن دورها ومهمتها التي ما زالت سارية وان اؤجلت لبضعة اشهر ستعاود بعدها الضغط وهي ترقب اين وصلت الامور , رغم ان لكل طرف في الرباعية وجهة نظره الخاصة ايضا غير ما تحمله الرباعية كصيغة جماعية.
واذا كانت الضغوط تحيط بابي مازن من اكثر من جهه وجانب , فهل يبقى واقفا مكتفيا مما عمله من اجراء انتخاب وتجديد الشرعية وقطع مسافة بعيدة عن امكانية التحاق دحلان مجددا؟ ام هل ينهض ويعمل بسرعة وجدية لتخذيل المتحالفين واحتواء ضغوطهم وان تكون المصالحة مع حماس هي ورقة الاعتماد في زيارة العواصم العربية ليدرأ شر الرباعية و دعواتها لاصلاح البيت الفتحاوي فيما يراه عباس كلام حق يراد به باطل!!
دحلان الان اذا ما كسّر حلقة الجمود مع حماس وهي حلقة صعبة من جانبه واقل صعوبة من جانب عباس , فحماس تفضل عباس على الدحلان الّا اذا طال هجر عباس لها ولم تجد بدا من التعامل مع دحلان وسط اغراءات وضغوط و عصا و جزرة .
واذا كان دحلان يملك اصواتا في المجلس التشريعي المجمد قد تزيد عن عشرة مع ما تملكه حماس , فانه ان نجح باقناع حماس يكون بذلك قادرا ان يدعو لعقد المجلس التشريعي , وان يطلب شرعية وسندا افتقده من اللجنة المركزية .
ان الرهان الان هي على قدرة الرئيس عباس في استعمال الشرعية التي حققها مجددا في احتواء كل اشكال الخروج او الروح الانقلابية , وفي تطويق ذلك على المستوى العربي , حيث ما زالت الرباعية العربية تأخذ بتوجه التدخل في الشأن الفلسطيني رغم فوز الرئيس عباس بولاية جديدة في فتح , و فوز المجموعة المؤيدة له ورغم ان جهات دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية و دوائر اخرى اسقطت ورقة دحلان وغادرت المربع الذي كانت تقف فيه .
تستطيع قيادة ابو مازن الان والتي تجمع كافة الخيوط بين اصابعها ان تبادر الى تخذيل الاتجاهات المنافسة او الطامعة في اخذ المبادرة منه , ولذا فان من الضروري ان تبدا القيادة الفلسطينية باتصالات عربية واسعة من خلال برنامج تصوغه القيادة الفلسطينية يقف امام استحقاقات المرحلة القادمة ويعرب كل الجمل التي ظلت معلقة سواء المتعلقة بالاحتلال في قضايا المفاوضات والقدس واللاجئين والاسرى والمستوطنات لان دوام الحال على ما كانت عليه قبل انتخاب الرئيس والفوز بلجنة مركزية جديدة اصبح مستحيلا وقد يفضي الى مشاكل يدركها الرئيس حين حاولت اطراف عربية ان تصطاد في تعكير مياهها .
ان اسقاط مشروع دولة غزة الذي تحاول اسرائيل ان تجعله الخيار الوحيد الممكن فلسطينيا يحتاج الى جهد كبير .بدأ باسقاط رموز هذا المشروع او الذين يستميلهم هذا المشروع وذلك باجراء الانتخابات الاخيرة في مؤتمر فتح السابع في رام الله , وهو لا يتوقف عند هذه الحدود , بل لا بد من التحرك بالسرعة لدى القيادة المصرية لتغلق ملف دحلان الذي يلّوح لحركة حماس بمشروع دولة غزة , ويعمل على تجميل هذا المشروع وربطه بشعارات ثورية في ان الانطلاق لتحرير فلسطين يبدأ من تحرير الشبر الاول ,فما بالكم اذا كان المحرر أكثر من شبر بل اكبر من قطاع غزة في اراضي واسعة في النقب هي بديل للانسحاب من الضفة الغربية المحتلة التي تراجع نفوذ حماس فيها ولم يعد هناك امكانية لفرض توجهاتها , كما ان اسرائيل تعمل ليل نهار على جعل امكانية اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية مستحيلة لتحيل الى حكم ذاتي فقط .
لقد نجح الرئيس عباس سياسيا في حمل القضية واعادة بث الروح فيها عبر الامم المتحدة ومنظماتها وعبر تقديمه لتجديد شرعية هذه القيادة لدى دول العالم وخاصة الاوروبية التي ستبدأ التعامل مع الرئاسة الفلسطينية بانفتاح اكثر واستجابة اوسع ظهرت بدايات ملامحها من فرنسا التي ما زالت مبادرتها برسم التسيير .
لقد قطعت الطريق على دحلان ومجموعته وظل رهانه على ادوار متراجعه للرباعية العربية التي تدعمه لامر في نفس يعقوب , ولاسباب من ضغوط بدأت هي الاخرى تتراجع مع قدوم ادارة امريكية جديدة ستكون اكثر تفهما لقيادة الرئيس محمود عباس من اولئك الذين تحولوا الى ادوات للادارة السابقة في الضغط عليه .
نجاح القيادة الفلسطينية الان مرهون بمزيد انفتاحها على الداخل الفلسطيني , وبمزيد من تحركها العربي وايضا بالعمل على الاتصال بالادارة الامريكية الجديدة , فقد تغيّرت معطيات اللعبة الى حد لا بد فيه من ان تجدد كل الاطراف ادوارها , اذ قد لا يكون ثابتا لدى الادارة الامريكية سوى العلاقة مع اسرائيل وحتى هذه احتاجت الى دور اسرائيلي يتجدد وهذا ما يعمل نتنياهو عليه ليل نهار الان , فلا يوجد مسلمات في السياسة والذين يضعون رؤسهم في الرمل من عرب او عجم لايرون شيئا , وقد تتجاوزهم المشاركة ويدفعون الثمن .
أوضاع المنطقة تتغير وخاصة بعد سقوط حلب وهزيمة الامريكيين المعنوية , فهل يستثمر الفلسطينيون ما تبقى من مساحات للاتصال في تاكيد دورهم من خلال قيادة منتخبة احسن الرئيس توقيت انتخابها رغم كل الضغوط عليه .. هذا هو السؤال .