بعض هموم المغتربين/ جمانة غنيمات

اليوم، يستطيع كثيرون تقدير الدور الكبير الذي يلعبه الأردنيون المغتربون في دعم اقتصادنا، وتمتين موقفه المالي في مواجهة التحديات؛ عبر أكثر من سبيل. فهؤلاء، أولا، أراحوا الدولة من عناء السعي إلى توفير فرص عمل لهم. كما أنهم، ثانياً، يشكلون رافدا رئيسا للخزينة والاقتصاد بالعملات الصعبة، من خلال حوالاتهم التي تقدر سنويا بحوالي 3 مليارات دولار. والمنافع لا تتوقف عند هذا الحد؛ فالمغتربون يعيلون أسرهم وأقارب لهم.

لكن في مقابل كل ما يجلبه المغتربون من منافع للبلد، لا يبدو أن الحكومات تفكر بهمومهم ومشاكلهم، ولا تسعى إلى تسهيل حياتهم حفاظا على وضع قائم يستفيد منه الأردن، دولة ومواطنين، ويخفف من حجم التحديات.

وثمة فئة كبيرة من المغتربين هم أيضاً أعضاء هيئات تدريس في جامعات أردنية حكومية. إلا أنهم يعانون؛ نتيجة شروط تقيّد حصولهم على إجازات من دون راتب، لدرجة صارت معها الجامعات الخليجية تعزف عن تعيين الأساتذة الأردنيين لعدم استقرارهم في وظائفهم في الخارج، بحكم تهديد عدم منحهم الإجازات من جامعاتهم الأم؛ بحسب ملاحظات وردتني من أساتذة يعملون في جامعات خليجية، تشترط عليهم هذه الأخيرة عند التعاقد معهم، تقديم تعهدات بعدم الاستقالة خلال مدة العقد.

المشكلة تتعمق حين نأخذ بعين الاعتبار ازدياد المنافسة للحصول على فرص عمل، متناقصة باستمرار أيضاً، في دول الخليج العربي. يضاف إلى ذلك الوضع المالي الصعب للجامعات الأردنية، بالتزامن مع ازدياد عدد العاطلين عن العمل من الحاصلين على درجة الدكتوراه في الأردن، لا سيما كنتيجة لما تعانيه الجامعات الخاصة من قلة عدد الطلبة المقبولين فيها.

هكذا، تتعاظم الحساسية وتتسع المخاوف، في الفترة الحالية، من التطورات التي تحدث في أسواق العمل الخليجية، ومحصلتها زيادة الخشية من عودة كثير من المغتربين من دول الخليج العربي، بحكم ما تعانيه من أوضاع اقتصادية مستجدة، تتضافر مع سياسات توطين العمالة لديها، باعتبارها تصب في تحقيق الهدف ذاته.

مطالب هذه الفئة؛ من الأكاديميين، تبدو عادلة إذا ما أرادت الحكومة مساعدة أفرادها في تحسين ظروف معيشتهم. إذ يطالبون بزيادة مدد الإجازات المتاحة لهم. علماً أن هناك تفاوتاً في المدد التي يجوز لعضو هيئة التدريس قضاؤها خارج الجامعة (ما بين إجازة من دون راتب، وإجازة تفرغ علمي، وإعارة، وانتداب) بين جامعة حكومية لأخرى؛ فبعضها يوقفها عند أربع سنوات، وبعض آخر عند خمس سنوات. ومن ثم، يطالب الأكاديميون بتمديد الفترات المسموح لعضو هيئة التدريس قضاءها خارج الجامعة إلى عشر سنوات كحد أعلى، أسوة بالموظفين العموميين الخاضعين لنظام الخدمة المدنية الأردني، كما جامعات عربية أخرى، كالمصرية مثلا، تمنح الأكاديميين العاملين فيها إجازات تصل عشر سنوات أيضاً.

الأساتذة يشكون، كذلك، من تعنت الجامعات الحكومية في قبول استقالة أعضاء هيئة التدريس العاملين في الخارج؛ عبر اعتبار من يتقدم باستقالته أثناء تواجده في الاغتراب فاقدا لوظيفته، مع ما يستتبع ذلك من ضياع لحقوقه ومستحقاته، ومنها مكافأة نهاية الخدمة. وليكن الأمر بحاجة إلى مراجعة في ظل المعطيات القائمة.

هجرة العقول مسألة محزنة من حيث المبدأ طبعاً. لكن الواقع القائم يتطلب النظر في مطالب هذه الفئة، التي ما اغترب أفرادها لولا اضطرار الحاجة.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير