كاسترو بين أنصاره وأعدائه/ جهاد الخازن

ما كنت أريد أن أكتب عن موت فيدل كاسترو، فمعرفتي بتاريخه السياسي تقتصر على انتصاره للثورة الجزائرية وزيارات بعض القادة الفلسطينيين كوبا وترحيبه بهم وانتصاره لقضيتهم. غير أن موته أثار تعليقات وردود فعل مستمرة وكاد يطغى على أخبار دونالد ترامب، وقررت أن سجله يستحق بعض المراجعة.

ميديا اليمين قالت إنه كان ديكتاتوراً قاسياً وإن إرثه كارثي، وميديا اليسار تحدثت عن توقف الموسيقى في هافانا يوم مات، وكيف أنه كان زعيماً عظيماً أو ملهماً. وقرأت في صفحتين في «نيويورك تايمز» كان عنوانهما: الثوروي الكوبي الذي تحدى الولايات المتحدة. العنوان الصحيح كان زاد كلمة «ونجح» في نهايته.

هو حكم كوبا 50 سنة، وحاول مهاجرون كوبيون تساعدهم وكالة الاستخبارات المركزية غزو كوبا وهزمتهم قوات كاسترو في خليج الخنازير سنة 1961. غير أن السنة التالية شهدت أزمة الصواريخ التي كان الاتحاد السوفياتي يريد وضعها في كوبا لتهديد الولايات المتحدة. الأزمة انتهت بانتصار الرئيس جون كينيدي بعد قرار الرئيس نيكيتا خروشوف سحب الصواريخ الروسية من كوبا.

أغرب ما في سجل كاسترو السياسي نجاته من بضع مئة محاولة لاغتياله. بين هذه المحاولات:

– كانت هناك محاولة لتسميم كأس شراب قوامه الحليب اعتاد شربها، بما يشبه حبّة سكر، إلا أن الحبة المسمومة انكسرت وفشلت المحاولة.

– كان كاسترو يحب الغطس و «سي آي ايه» قررت صنع سترة غطس مسمومة يستعملها فيموت. إلا أن الشخص الذي اختير لتقديم السترة الى كاسترو لم يقدمها لأنه سبق له أن قدّم للزعيم الكوبي سترة غطس.

– حاولت «سي آي ايه» وضع 90 كيلوغراماً من المتفجرات الشديدة المفعول تحت منصة كان كاسترو سيخاطب الكوبيين من عليها. إلا أن حراسه اكتشفوا المتفجرات وأحبطوا الخطة.

– حاولت «سي آي ايه» قتل كاسترو بقلم حبر ناشف جهِّز بإبرة مسمومة، إلا أن العميل الذي طلِب منه حمل القلم الى كاسترو رفض طالباً وسيلة احتمال نجاحها أكبر.

– أجرِيت محاولة لقتل كاسترو بتسميم أنواع من الحيوان البحري يحب الزعيم الكوبي أكلها، إلا أن الخطة فشلت.

– كان كاسترو معروفاً بعلاقاته الغرامية وحاولت «سي آي ايه» إقناع عشيقته ماريتا لورينز بدسّ السمّ له في كأس، إلا أنها خافت ورفضت الطلب.

كيف تلقى العالم خبر موت كاسترو عن 90 عاماً؟

الرئيس باراك أوباما قال إنه يمد يد الصداقة للشعب الكوبي، وإن التاريخ سيحكم على إرث كاسترو. والرئيس المنتخَب دونالد ترامب قال إنه كان ديكتاتوراً عنيفاً، وعضو الكونغرس ايلينا روس – تاتينين، وهي مهاجرة يهودية من كوبا، كالت التهم لكاسترو وكأنه بنيامين نتانياهو، وهاجمت رئيس وزراء كندا جستن ترودو لأنه قال إن كاسترو كان زعيماً فذاً، ورغم أنه كان موضع جدل فقد عزز التعليم، والرعاية الصحية في بلاده.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امتدح كاسترو ووصفه بصديق مخلص، والبابا فرنسيس قال إن موته خسارة، وكان هناك قادة عرب ذكروا كاسترو بالخير، والجزائر أعلنت الحداد تكريماً له. هناك رؤساء أكثرهم من أميركا اللاتينية سيحضرون جنازة كاسترو، ومئات الألوف من الكوبيين الذين بكوا لموته دليل واضح على شعبيته.

في مقابل كل ما سبق، كان أكثر الناس فرحاً برحيل فيدل كاسترو جماعات المهاجرين الكوبيين الى الولايات المتحدة من سكان حي في ميامي يُعرف باسم «هافانا الصغيرة». هم رقصوا وغنوا، ونسب بعضهم اليه قتل المعارضين من دون محاكمة، وقمع الشعب. في الولايات المتحدة، حوالى مليوني مهاجر من كوبا يقيم 70 في المئة منهم في فلوريدا. والسناتور ماركو روبيو أصله كوبي.

لست معجباً بكاسترو اليوم، ولم أكن معجباً به يوماً، إلا أنني أقدر له أنه صمد في وجه الولايات المتحدة نصف قرن، وهي على بعد 90 ميلاً من بلاده.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري