خطاب ثقة أحلم بسماعه/ مروان المعشر

حضرات النواب المحترمين،

تتقدم الحكومة اليوم ببيانها الوزاري، طالبة الثقة من مجلسكم الكريم. وقد حان الوقت لمصارحتكم، كما الشعب الأردني، بما آلت إليه الحال.

لقد بُني هذا البلد العزيز بسواعد أبنائه وبناته، وبحكمة قيادته. ولئن أدت قلة موارده الطبيعية إلى اضطراره للاعتماد على المساعدات الخارجية بدرجة كبيرة في الماضي، فإن هذا الاعتماد أدى أيضا إلى بلورة نظام ريعي لا يضع الإنتاجية والاعتماد على النفس في أعلى سلم أولويات الدولة. بل إن الدولة استخدمت هذه الموارد في العديد من الأحيان لتشجيع ثقافة ريعية جعلتها في نظر الناس المزود الرئيس للوظائف.

تود الحكومة مصارحتكم اليوم بأن هذا النظام الريعي لا يمكن استدامته، وهو على وشك الانتهاء. فقد بلغت نسبة العاملين في الدولة

42 % من مجموع القوى العاملة، هي من أعلى النسب في العالم. وقد أدى ذلك إلى تدني الخدمات التعليمية والصحية، وإلغاء الدعم عن مواد أساسية، لأن الدولة لم تعد لديها الموارد الكافية لتخصيصها لهذه الخدمات والسلع، حتى مع وجود المساعدات الخارجية. كما أدى ذلك إلى ارتفاع معدل الدين العام لتغطية الارتفاع الهائل في النفقات، ليصل إلى 93 % من الدخل القومي. ما يعني أننا نورث أبناءنا وبناتنا عبئا ماليا ثقيلا من الصعب تحمله.

تنبغي مصارحتكم أيضا بأن عهد المساعدات الخارجية غير المشروطة إلى أفول، وأن حالة تدني أسعار النفط مستمرة إلى زمن طويل، ما أدى بالمملكة العربية السعودية إلى اتباع سياسة اقتصادية جديدة قوامها البدء بالتحول عن النظام الريعي داخليا، واعتماد سياسة للمساعدات الخارجية تقوم على الاستثمار وليس على تقديم المنح المجانية. يعني ذلك أن الموازنة لا تستطيع الاعتماد على هذه الأموال كما في السابق لتغطية العجز، وأن الاعتماد على الصندوق الاستثماري الأردني السعودي لحل الأزمة الاقتصادية اعتماد واهم.

حضرات النواب،

لقد حان الوقت لمواجهة الحقائق الجديدة إن كنّا نريد مستقبلا زاهرا لهذا البلد. لذا، فإن الحكومة ستتقدم بخطة اقتصادية متوسطة الأمد لتمكين القطاع الخاص من خلق وظائف حقيقية، والتخلص من الاعتماد على المساعدات الخارجية خلال عشر سنوات. وستتضمن هذه الخطة تمكين الفئات ذات الدخل المتدني عن طريق التعليم وتوزيع الاستثمارات في المحافظات وشبكات الأمن الاجتماعي وتأمين صحي شامل لجميع المواطنين المحتاجين. فالانتقال من النظام الريعي إلى نظام إنتاجي، لا يمكن أن يتم من دون رفع المستوى الاقتصادي والصحي والتعليمي لهذه الفئات.

ولا بد من اعتراف الدولة أيضا بأننا لن نستطيع تنفيذ مثل هذه الخطة الصعبة، ولكن ليست المستحيلة، من دون أن يكون للمواطن صوت حقيقي في عملية صنع القرار، ومن دون أن تعامل الدولة المواطنين والمواطنات كافة بالتساوي الكامل. فلا إصلاح اقتصاديا حقيقيا من دون إصلاح سياسي حقيقي أيضا. ولذا، ستتقدم الحكومة، بعد التشاور مع الفاعليات الشعبية كافة، بقوانين جديدة للانتخابات والأحزاب، تضمن المشاركة العادلة والمتساوية، وتجسّر فجوة الثقة مع المواطن. كما ستتقدم الحكومة بتعديلات للقوانين كافة التي تميز ضد المرأة، بهدف إزالته نهائيا.

وتدرك الحكومة أنها لن تستطيع كسب ثقة الناس من دون معالجة مؤسسية للفساد، وسن تشريعات تعزز الشفافية، على رأسها الطلب من كل من يعمل في مراكز قيادية في الدولة تصريحا علنيا (وليس في مظاريف مغلقة لم تفتح قط) سنويا، عن ممتلكاته ومصادر أمواله كافة. ومن لا يرغب في ذلك مكانه ليس العمل العام.

حضرات النواب،

ليس هناك حل سحري لمشاكلنا. لكن الحكومة تدرك اليوم أن الحل إن لم يكن سياسيا اقتصاديا تشاركيا مع فئات المجتمع كافة، فإنه لن يكتب له النجاح.

تتقدم الحكومة لكم بهذا الإطار الجديد الذي سيحكم عملها، وتطلب الثقة، منكم ومن الشعب، على أساسه.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير