الإدارة العربية .. مقاربات مبعثرة/ الدكتور ابراهيم بدران

(1) الجامعة حق للناجحين

في كل عام تتجه الأنظار إلى “الحكومة لتقرر علامة دخول الجامعة ، وأي معدل يسمح وأي معدل لا يسمح”. وهو أمر غريب يسيس القبول الجامعي، ويخضعه للاعتبارات الإدارية . متى نتوافق و بشكل قطعي على أن التعليم حق لكل من هو مؤهل له ؟ وإذا كانت “علامة 50 في التوجيهي هي علامة النجاح”، فما مبرر رفض هذا النجاح؟ ووضع علامة 60 أو 65 أو 55 كحد أدنى لدخول الجامعة؟ حين ترفع الحكومة معدلات القبول، يسافر الطلبة إلى الخارج ليلتحقوا بالجامعة التي يريدون في بقاع العالم، مع كافة التكاليف الإقتصادية غير المبررة ،ويرجعون لتعترف وزارة التعليم العالي بشهاداتهم.فما الذي كسبته البلاد من هذا القرار؟ لا شيء.

هل يعقل أن الإدارات العربية ستظل تؤرجح الطلبة وذويهم بموضوع المعدل ؟ ألم يحن الوقت للاستقرار؟. فطالما أن علامة النجاح هي 50 إذن يحق لكل من يجتازها أن يدخل الجامعة في الوطن، ويبقى الحق للجامعة أن تقبل الطالب في التخصص أولا تقبله ،أو تطلب منه مواد إضافية أو تكميلية،و دون أي تدخل حكومي. من جانب آخر،لتنظر الحكومة إلى كليات المجتمع بجدية، فترفع مستواها التعليمي والتطبيقي والوظيفي والأدائي ،حتى تصبح تلقائياً جاذبة للطلبة، مقنعة لهم. ويصبح دخولها حقا لكل من أنهى الدراسة الثانوية . هكذا تعمل الدول الأخرى الا المنطقة العربية فإنها تدور في حلقة مفرغة .

(2) الإقتصاد و البطالة

معظم الأقطار العربية إن لم تكن جميعها تعاني من تدني معدلات النمو الإقتصادي،و البطالة المرتفعة، وخاصة بين النساء 42% والشباب 30% .وهي في المتوسط 15% في حين أن المتوسط العالمي (10%) من القوى العاملة .لماذا لم تستطع دولة عربية واحدة صغيرة أو كبيرة ( باستثناء دول الخليج بسبب الثروة النفطية) أن تجد مدخلا لتسريع النمو الإقتصادي ووضع حل لمشكلة البطالة ؟ لماذا ليس هناك من برنامج لأي دولة عربية تستفيد فيه من تجارب الدول الناهضة مثل ماليزيا والهند وسنغافورة فتنقذ شبابها من القهر والحاجة، و اليأس والاحباط و الجنوح نحو التطرف ؟ و تفتح الأبواب لمساهمة فعالة للمرأة في بناء الثروة الوطنية ؟ هذه الدول ، و نحن منها، التي تستورد أكثر من 75% من احتياجاتها من الآخرين, ألا ترى إداراتها العلاقة بين الانتاج و التصنيع و نمو الإقتصاد و ارتفاع مستوى الدخل وفرص العمل ؟ ألا ترى العلاقة بين الاستيراد المفرط والبطالة ؟ أي رؤية اقتصادية اجتماعية تسرح في العقل العربي ؟ وأي إدارة للموارد البشرية تراها هذه الإدارات؟

(3) السلطة حتى الموت

مع أن التكالب على السلطة والتشبث بالحكم وعدم الاستعداد للتوافق، و هونمط عربي تقليدي، قد دمر حتى الآن أربعة أقطار عربية هي سوريا وليبيا واليمن والعراق و قسم السودان ، مع ذلك فلا تزال بعض القيادات الفلسطينية غائبة الوعي والإدراك عن الضرر الفادح والأذى الجسيم الذي نزل بالقضية نتيجة الانقسامات والتنافسات على الحكم . فقد عادت القيادات تلك تكيل الاتهامات بعضها لبعض هنا وهناك، وحرب الكراسي قائمة بالسر والعلن، وغزة أصبحت إمارة بذاتها، واسرائيل تتوسع طولا وعرضاً وعمقاً. تأكل الحجر والشجر، وتزور التاريخ و تنكل بالبشر.وعلى المستوى العربي والدولي تتقلص الحالة الفلسطينية يوماً بعد يوم . هل يعقل أن القيادات الفلسطينية لا تبصر ما تفعله و تطمح إليه إسرائيل ؟ ولا ترى ما يحدث في سوريا واليمن والعراق وليبيا؟. هل يعقل أن التكالب على السلطة ،بين الأفراد والجماعات، متغلغل في العقل و الضمير العربي لتدفع ثمنه شعوب بأكملها؟. أي نفسيات وعقليات وسلوكيات وإدارة هذه لشؤون الشعوب؟

(4) خطوط النفط

انتهت قبل أيام، المباحثات الأردنية العراقية بشأن مشروع خط النفط العراقي إلى الأردن بكلفة خيالية تبلغ 18 مليار دولار. ويتوقع أن تنتهى المفاوضات في نهاية العام .و حقيقة الأمر أن التفاوض على مثل هذا المشروع بدأ قبل 34 عاماً ،حين كان العراق في أوج قوته وتماسكه ، وقدرته على القرار. وتقدمت المفاوضات إلى ما يقرب من الإتفاق النهائي، وتكليف شركة بكتل الأمريكية لبناء الخط . ثم فجأة توقف البحث في تنفيذ المشروع ،وقامت العراق ببناء خط آخر عبر الأراضي السعودية وخط ثان عبر الأراضي التركية و هي الآن غير عاملة .وتبع ذلك لقاءات أردنية – عراقية لإحياء الخط العراقي عدة مرات وبمعدل كل سنتين جولة.، ولم يتحقق شيء. وعلى نمط الخط العراقي ، هناك عشرات المشاريع الإستراتيجية البالغة الضرورة التي تعقد لها اللقاءات ،وتوقع من أجلها الاتفاقات ،بين مختلف الأقطار العربية، ولا يتحقق منها شيئاً. أي منظور استراتيجي يسود هذه البلدان ؟ خط نفط بعد (33) سنة لازالت المباحثات تدورفيه و عليه و حوله وقد تستمر لسنوات أخرى. و أي إدارة للأعمال تعاني منها المنطقة العربية؟ و متى ترى المنطقة مستقبلا أفضل؟

(5) التموين و الهدر

تعاني مصر( 90 مليون نسمة ) من نقص شديد في القمح والطحين والأرز وغيرها. و تعاني من تهريب وضياع المواد المدعومة من الحكومة، دون أن تصل إلى الفقراء .ونحن في الأردن(9مليون نسمة) نعاني من هدر و ضياع مماثل ،لتصل قيمة الهدر في المواد التموينية عندنا 80 مليون دينار سنوياً، سكتت عنها الحكومات السابقة كما قال رئيس الوزراء . هل يعقل أن كل هذه العقول والمعارف والتكنولوجيا والرقابة والإدارة والبيروقراطية و الأخلاق و الضمير الوطني وعشرات الآلاف من الموظفين في مصر والأردن وبلدان عربية أخرى لا تستطيع أن تجد حلاً لمسألة الهدر والتهريب والسرقة والاحتيال في المواد الغذائية الأساسية مثل الطحين ؟أي نوع من الإدارات و السلوكيات تهيمن على المنطقة؟.

(6) انحدار اللغة

قبل (40) سنة لم تكن دولة عربية تخاطب مواطنيها الا باللغة العربية السليمة ،وليس بالعامية، ابتداء من نشرة الأخبار وانتهاء بالإعلانات التجارية.ذلك أن الهدف كان واضحاً : الارتقاء بالمجتمع لا النزول به. واليوم بعد أن تراجعت نسبة الأمية من 70% في مطلع السبعينات من القرن الماضي لتصل إلى ما متوسطه 35% ،وفي بلدان كثيرة مثل الأردن ولبنان إلى 6 %، وبعد أن ارتفعت أعداد الجامعات من 25 جامعةالى 750 جامعة، و زاد طلبة الجامعات من أقل من نصف مليون إلى 4.5 مليون ،بعد كل هذا أصبح الخطاب باللغة العامية هو السائد حتى في المحطات والإذاعات والنشرات الرسيمة. ناهيك عن الإعلانات ووسائط الإعلام التجارية . أي رؤية للثقافة المجتمعية وللعلم والتكنولوجيا في المجتمع واي انحدار في الفكر الاجتماعي وراء كل ذلك ؟ هل يعقل أن العربي المتعلم اليوم لا يستطيع أن يفهم ما كان يفهمه والده وجده قبل سنين؟ الا يرون أن انحدار اللغة هو انحدار في التفكير وفي الثقافة وفي الحوار وفي التعليم و التربية و العلم و الإبداع ؟.

Related posts

توجهات إيجابية في ميدان الشراكة بين القطاعين العام والخاص* د. محمد أبو حمور

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق