عروبة الإخباري – يأتي يوم التاسع من تشرين الثاني – الذكرى الحادية عشرة لتفجيرات عمان الارهابية – التي هزت ثلاثة فنادق في عمان عام 2005 ، وأودت بحياة ابرياء، نفذها ارهابيون نصّبوا انفسهم رتبة الحاكم والجلاد، والاردنيون عازمون على مواصلة المسيرة وتحدي الارهاب والفكر المتطرف، وتعزيز فضاءات الحرية والديمقراطية رغم حالة الحزن ومشاعر الأسى التي أصابتهم جراء تلك التفجيرات الأليمة.
لم يدخر الاردن جهدا في توظيف كل طاقاته وإمكاناته للتصدي لمخاطر التطرف والإرهاب من خلال المبادرات التي تهدف لتعزيز الحوار بين الديانات والمذاهب والحضارات المختلفة وشرح المفاهيم الحقيقة للدين الإسلامي الحنيف ورسالته السمحة العظيمة ومنها رسالة عمان وكلمة سواء وأسبوع الوئام العالمي والمؤتمرات العديدة بهذا الخصوص.
جلالة الملك عبد الله الثاني كان أكد في غير مناسبة على ان الحرب على الإرهاب، والحرب على خوارج هذا العصر، هي حرب المسلمين بالدرجة الاولى للدفاع عن ديننا ومستقبلنـا. فإما ان نواجـه هذا الخطر الداهم فرادى، وإما ان نأخـذ القرار الصائـب بالعمـل الجماعي المشترك لهزيـمة قوى الشر والإرهاب ، واصفا الإرهاب الذي يعصف بالكثير من بلداننا بانه لا يعترف بحدود أو جنسية، ويسعى لتشويه صورة الإسلام ورسالته السمحة.
لقد عانى الاردن كثيرا من الارهاب وقدم تضحيات جسام جراء الارهاب الآثم الذي استهدف وطننا وسفاراتنا وبعثاتنا في الخارج، وكان اشدها تفجيرات الفنادق، قبل احد عشر عاما، التي دوت في عاصمتنا عمان ، مستهدفة فنادق، يؤمها مدنيون.
التفجير الأول الذي وقع عند الساعة 9:30 بالتوقيت المحلي استهدف مدخل فندق الراديسون ساس (انذاك)، وبعدها بدقائق معدودة ، وعلى بُعد عشرات الأمتار ضرب تفجير ثان فندق حياة عمان الواقع على الدوار الثالث، فيما استهدف تفجير ثالث فندق دايز إن في منطقة الرابية.
التفجير الأكثر ايلاما كان في فندق راديسون ساس عندما اغتالت الانفجارات فرحة العروسين اشرف دعاس ونادية العلمي وهما في قمة سعادتهما ليتحول حفل الزفاف الى مجزرة فقدا فيها 26 شخصا من أفراد عائلتيهما ،الا انهما ومن منطلق إيمانهما بقضاء الله وقدره صمما على إكمال حياتهما وتكوين أسرة، ورزقهما الله سبحانه وتعالى بطفلين أطلقا على المولودة اسم جدتها لوالدتها (هالة) التي استشهدت في الحادت، والمولود الذكر(خالد) اسم جده لابيه.
اما تفجير فندق حياة عمان فأسفر عن وفاة المخرج العالمي السوري مصطفى العقاد صاحب أعظم فيلمين عن الإسلام والسلام هما (الرسالة وعمر المختار).
كان ذلك اليوم أسود كحلكة ليله، وتحولت بيوت الاردنيين كافة إلى بيوت عزاء ، ووعدٌ بأخذ ثأر الآمنين ممن امتهن الإرهاب تحت راية الإسلام ، وعَميت افئدتهم وابصارهم والإسلام منهم براء.
الأردنيون وهم يستذكرون الاربعاء الاسود وأحداثه الدامية، يؤكدون انهم أكثر عزيمة على محاربة الإرهاب والتطرف بمختلف الوسائل وعبر كل المنابر، متمسكين بالدفاع عن القيم النبيلة التي يحملونها للمحافظة على نسيجهم الاجتماعي من خلال التسامح والمحبة والحوار.
فعندما أعلن جلالة الملك عبد الله الثاني خوض الحرب ضد الارهاب حماية لعقيدتنا وقيمنا ومبادئنا الإنسانية، شدد على أن الاردن سيكون بالمرصاد لزمرة المجرمين وضربهم في عقر دارهم، وكان جلالته يعبر عن لسان حال كل اردني اكتوى بنار الارهاب الذي شهدته فنادق عمان.
التضامن الشعبي وحده الذي خفف من وطأة الحالة العصيبة التي مر بها الاردن ، حيث خرج الآلاف من المواطنين في تظاهرات عفوية، معلنين تمسكهم بالحياة وايمانهم بوطنهم وقيادته، لسان حالهم يلهج إلى السماء بالدعاء أن يحفظ هذا البلد آمنا.
في ذلك اليوم الدامي الذي أوجع قلوب الأردنيين، قطع جلالة الملك عبد الله الثاني زيارته إلى كازخستان، ووجه كلمة للشعب الأردني قال فيها “إن جريمة الأربعاء (الأسود) شكلت لدينا نقطة تحول كبيرة في التعامل مع من يؤازر أو يتعاطف أو يدعم الإرهاب”، مؤكدا أن الاردن لا يخاف ولا يقبل الابتزاز لتغيير موقفه، وسيلاحق الارهابيين ومن يقف وراءهم لإخراجهم من جحورهم وتقديمهم للعدالة ، “وان هذه الأعمال الإرهابية لن تثنينا عن المضي في مسيرة التطوير والانفتاح والتقدم”.
أما التفجير الثالث فاستهدف فندق/ديز إن/ في منطقة الرابية غير البعيدة عن موقعي التفجيرين الآخرين، وقتل فيه أندونيسيون على مدخل الفندق، فضلاً عن ثلاثة صينيين، إلا أن غالبية الضحايا والمصابين من الأردنيين.
وأبدى العالم كله تعاطفه مع الاحداث المؤسفة التي هزت المملكة ، فتوالت البيانات والتصريحات من ملوك ورؤساء مختلف دول العالم لإدانة هذه الاعمال الوحشية، التي وصفوها بالإجرامية، مقدمين الدعم الكامل للأردن لمواجهة الإرهاب والتطرف، كما انعقد مجلس الامن الدولي بصفة عاجلة لمناقشة التهديدات التي تسببها الانشطة الارهابية للسلام والامن الدوليين.
وفي أعقاب صدور قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بمكافحة الإرهاب وبشكل خاص القرار رقم (1373) اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات التنفيذية على ضوء ما جاء في هذه القرارات ، واستمرت جهود الاردن سياسيا وأمنيا لمواجهة الإرهاب لتكون رادعا لتلك الأعمال الجبانة.
فقد صدرت الارادة الملكية السامية في تشرين الثاني من العام 2006 بالمصادقة على قانون منع الارهاب الذي جاء فيه أن العمل الارهابي هو كل عمل مقصود يرتكب بأي وسيلة كانت يؤدي الى قتل أي شخص أو التسبب بإيذائه جسدياً أو ايقاع اضرار في الممتلكات العامة او الخاصة أو في وسائط النقل او البيئة أو في البنية التحتية او في مرافق الهيئات الدولية او البعثات الدبلوماسية اذا كانت الغاية منه الاخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر او تعطيل تطبيق احكام الدستور او القوانين او التأثير على سياسة الدولة أو الحكومة او اجبارها على عمل ما أو الامتناع عنه أو الاخـلال بالأمن ، وتختص محكمة امن الدولة بالنظر في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
وجلالة الملك حمل على عاتقه اكثر من مرة حِمل مكافحة الارهاب والفكر المتطرف فقد أكد في غير مرة على ان الأردن خط أحمر ضد الإرهاب والتطرف ولا مكان للإرهابيين فيه، مجددا جلالته ثقته الكبيرة بالقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي والأجهزة الأمنية، وقدرتها على حفظ أمن الوطن وحمايته.
كما اكد جلالته في الاوراق النقاشية الست التي رسمت خريطة طريق لعملية اللاصلاح والديمقراطية في الاردن ضرورة المضي في الانتقال بالاردن الى الدولة المدنية وتعزيز الديمقراطية التي كمن خلالها يتم تحصين الجبهة الداخلية ضد كل ما يستهدف الاردن.-(بترا)