سلطنـة عُمان.. ولقاءات هامة

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – يكتسب اللقاء مع الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية، أهمية خاصة كون الشيخ يتمتع بثقافة واسعة اكتسبها من تنوع اطلاعه وتجواله وخدمته كسفير لبلاده وخاصة في الاردن، التي اسس فيها صالون ثقافي رواده العديد من الكتاب والمثقفين وحتى السياسيين والوزراء ، لما عرف عن صالونه الذي أسماه من حميمية وعمق ومن تداول للشأن الثقافي والمعرفي وظل اسم الشيخ المعمري على ألسنة الكتاب وفي اوراقهم ومنتدايتهم.
كنت التقيت الشيخ في مكتبه وقد كرمني بالاستقبال واصطحبني معه الى الغذاء في احد معالم العاصمة الجميلة النظيفة مسقط في جلسة غنية بالطعام والحوار ووضع بين يدي أخر اصدارات وزارته وهي موسوعة نزوى العلمية الكبيرة والتي تتبع مؤلفها كل ما يتعلق بالزمان والمكان والانسان لهذه المدينة التاريخية العميقة.
يعيش الشيخ المعمري الثقافة والتراث العماني بحس وطني عميق وبرغبة مستمرة في اشهار وترويج الثقافة العمانية واعادة احياء تراث عمان الخالد وبعثه في الاجيال لتحس بعمق جذورها وبعبق رسالتها في الاجيال المتتابعة منذ دخول الاسلام المبكر الى عمان وحتى قبل ذلك في حضارة الازد العربية وسواها من القبائل العربية الاصيلة الممتدة الى يومنا هذا.
كان الشيخ المعمري في كل منعطفات الحياة الثقافية والتراثية العامة يشير باعتزاز الى دور السلطان قابوس بن سعيد الملموس في احياء ثقافة عمان وبعث تراثها وللتوجيهات العملية السديدة لجلالة السلطان في ذلك .. والعمل على حمل عُمان عبر المحافل الثقافية الدولية العديدة.
سلسلة من الاعمال المتصلة منها ما تحقق , وازورها حين كانت نزوى عاصمة للثقافة الاسلامية ومنها ما هو الان في دور التحقق من انجازات ثقافية يقودها في الميدان معالي سمو الشيخ هيثم بن طارق آل سعيد الذي يكسب حضوره المنتديات العامة أهمية كبيرة.

وضعني الشيخ المعمري في صورة العمل الثقافي والتراثي العماني وفي البرنامج الواسع المزمع انجازه، وفي الدور الذي تلعبه هذه الوزارة تحديدا في بلورة هوية الشعب العماني الوطنية وربط هذا الشعب الاصيل بتراثه وواقعه وتاريخه وبالتالي التطلع الى مستقبل افضل تؤسس له ثقافة ملتزمة..
تجولت مع الشيخ المعمري في مسقط التي اراها تتغير بسرعة نحو الاجمل والانظف وقد رأيت ازدياد السياحة فيها وخاصة الاجنبية كما رأيت جدة واتساع شوارعها وابنيتها وعقدها العزم على ان تكون في مقدمة عواصم دول الخليج حيوية وادراكا لمعنى المدنية والانسانية والتحضر..
ولالتزامه بعمله وعشقه له أصرّ على ان ارى أحد الافلام المنتجة عن عمان والتي تعكس تنوع بنيتها وجمال طبيعتها وعبق تاريخها وقد رأيت الجزء المختصرمنه وهو انتاج سيعرض بمناسبة العيد الوطني لسلطنة عمان مع نهاية الشهر الجاري .
كما كنت رأيت فيلما ساحرا عن عمان من الجو كان قد عرضه معالي وزير الاعلام الدكتور عبد المنعم الحسني في الاردن – عمان أثناء زيارته للعاصمة الاردنية لرعاية المهرجان الاعلامي العربي الذي كانت سلطنة عمان ضيف شرف فيه ، وقد اذهلت المناظر الساحرة الحاضرين حيث وصلت الرسالة العمانية في احسن تجلياتها التاريخية والمعاصرة.
لقد زرت عمان لأول مرة عام 1985 في انعقاد اول جلسة لمجلس التعاون في عاصمة السلطنة مسقط ، يومها كان وزير الاعلام التاريخي عبد العزيز الرواس قد اصطحب الصحفيين الى ظفار وقد نزلنا في الفندق الوحيد الذي كان في المدينة انذاك وهو فندق هوليدي ان في صلالة والذي اصبح يحمل اسما اخر هو “كراون بلازا”0
يومها اهداني الوزير التاريخي سيجارا حين عرف انني ادخنه فاستمتعنا معه في رحلة مشتركة اطلعنا فيها على جبال ظفار وتلاوين مناخها وتحدث لنا عن خريف صلالة الساحر وعن البخور الذي زرنا مواقعه في الجبل الاخضر وفي اماكن اخرى.

وظلت سلطنة عمان تعيش في ذاكرتي وقد عقدت العزم ان اكتب عنها كتابا الى ان تحقق ذلك بعد ثلاثين سنة حين الفت كتابي “السلطنة والسلطان .. امة وقائد” والذي حضرت الى السلطنة هذه الايام لأحضر حفل تدشينه برعاية معالي وزير الاعلام الدكتور عبد المنعم الحسني الذي كرمني في حفل التدشين وقد عرض هذا الكتاب بالعربية والانجليزية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب من خلال جناح عمان وحظي باهتمام كبير ومشاهدة واسعة وعلمت من معالي الوزير الحسني ان وزارة الاعلام بصدد ترجمته الى اللغة الاوردية التي يتحدث بها الملايين في الباكستان وافغانستان وفي مناطق من الهند ودول اسيوية اخرى.
اثناء تجوالي مع الشيخ حمد بن هلال المعمري الذي كان عضو مجلس امناء في جمعية الشؤون الدولية في العاصمة الاردنية عمان وقد عرف بنشاطاته فيها ايضا كنت اتحدث عن مسقط وجمالها وترتيبها وعن احياء السفارات والوزارات وعن بعض السفارات التي تبرعت سلطنة عمان وبتوجيه من السلطان ببنائها ومنها سفارة فلسطين التي حظيت ببناء وموقع جميل. كما حملت واجهة السفارة الاردنية مجسدا لمدينة البتراء التاريخية .
وجدت ان حماستي في الحديث عن مسقط قد قادتني الى اقتراح بتأليف كتاب عن هذه العاصمة عاصمة السلطان التي تابع بناءها حجرا حجرا وشارعا شارعا , واقام فيها مسجدا باسمه هو تحفة المساجد ومن اجملها , كما ان ميناء المدينة واسوارها التاريخيه وخاصة مطرح تعتبر ايه في عكس صورة التاريخ .
اما قصر السلطان وفناءاته الممتدة و موقعه فيعيد المشاهد الى الربط مع التاريخ و مع سلاطين عمان العظماء الذين ربطوا سواحل افريقيا الشرقية مع بحر المحيط الهادي مع بحر العرب , وحتى خليج البصرة تحت نفوذهم و حكمهم .
لا اريد ان اتوسع في الحديث عن التاريخ فهذا كله ضمنته كتابي الذي زاد عن اربعمائة صفحة من القطع الكبير , وهذا مضمن ايضا في كتاب تاريخ عمان الذي ابدعت وزارة الاعلام في اعادة نشرة والاضافة الية , وطباعته باللغة الانجليزية ايضا ليكون مرجعيا شافيا كافيا للقراء .

كنت اذكر مسقط واربط مع مدن اخرى ألفت عنها كتبا , ومنها القدس وعمان والبصرة لشدة اهتمامي بذلك , وقد اغرتني مسقط لاضع عنها كتابا مثل تلك التي حصلت على جوائز وتكريم عنها , وقد شدّ ذلك مضيفي الشيخ حمد الذي بادر للاتصال ببلدية مسقط وخاصة بمعالي المهندس محسن بن محمد الشيخ رئيس البلدية ومساعدة النشيط والمتابع .
وقد وعدني ان يواصل الاتصال وان يرد لي الخبر حول ذلك , وهو ما يدعوني للاعتزاز ان تمكنت من وضع كتابي المأمول عن مسقط التي تغري الباحثين بالكتابة عنها وعن تاريخها الذي ارتبطت نهضته وازدهاره بوصول السلطان قابوس اليها عام 1970 , واعلان بيانه الاول منها واعدا العمانيين بالحرية والحياة الكريمة والسفر .
مسقط تستحق اكثر من كتاب وتستحق تجربتها في التنظيم الذي كان جلالة السلطان اول وابرز موجة فيه أن تعمم وان تؤخذ نموذجا , فالشوارع متقنة الصنع ومواجهة مسقط للتسونامي الذي ضربها قبل عدة سنوات على يد العمانيين مفخرة , اذ لم تنتظر عمان المساعدات ولاحتى العربية ولم تلتفت الى ذلك , بل نهض العمانيون في واجب انقاذ مدينتهم واعادة الجمال والألق والحماية لها , لقد كان لهم في ذلك قصة كفاح و مواظبة .
فالعماني لا يتذمر ولا يشكو وخاصة امام غريب , وهو صبور محب لبلدة حتى وان اصابة حيف او ضيم , اما السلطان فله عند العمانيين منزلتين سياسية يشكل فيها شخص القائد والزعيم والسلطان وشخصية دينية يحتل فيها موقع الامام والقدوة والسلطان العادل , ومن هنا جاء اجماع العمانيين وحب قائدهم واللّهج بالدعاء ان يحفظه الله لتبقى عمان على يديه رائدة كريمة مستقرة قائدة في منطقتها حافظة لدورها .
ما كنت لانتهى من الاحتفال بتدشين الكتب المؤلفة عن عمان في حفل خاص بذلك رعاه وزير الاعلام حتى بدأ موعدي مع وزير الدولة للشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي , الذي يعتبر مدرسة في السياسة العمانية , واحد ابرز خبراء السياسة العربية نتاج خبرته الطويلة ونجاحاته المتكررة ونصحه الذي لم يبخل به , ولدى الزوير رؤية في المسائل العمانية والعربية وخاصة القضية الفلسطينية , لقد تحدثت معه لاكثر من ساعة ونصف في لقاء حميمي حيث استقبلني في منزله

بحفاوة واريحية وبساطة عرفت عنه , واعتقد ان نزعته الصوفية محسوسة وان ايمانه بالقدر ظل يدفعه باتجاه الهدوء والسكينة وضبط التفكير , وايقاع العمل وامتلاك مساحات اوسع للتفكير الهادئ .
لن اتحدث في هذه المقالة عن ما دار من حديث وزير الدولة لاهميته ولانه خصني به , وليس للنشر فالوزير حريص و دقيق ومحب لشعبه وقائده وامته , ويدلي قلبه الذي يجري في عالمة العربي ويحزنه هذه الفوضى والتخبط وغياب القيادات الواعية او القادرة على العمل حيث يرى ان ما يحدث اكبر من قدرة اي جهة على الانقاذ او الخروج , وان مقدرة المولى عز وجل هي الكفيلة فقط بانقاذ حال الامة مما هي عليه .
اتمنى ان ياتي يوم استطيع فيه ان اكتب عن رؤية بن علوي الغنية وعن شخصيته الموصوفه ” بالسهل الممتنع ” اذا جاز ان يطلق هذا التعبير على شخصيته وليس على النص كما تعودنا .
لقد تعلمت من لقاء بن علوي كثيرا وأحسست انني كنت محظوظا بلقائه , ولم استمتع بلقاء مع رئيس دولة او رئيس وزراء او شخصية قابلتها كما استمتعت بلقائي معه , وهو لقاء خليط بين السياسة والادب والفلسفة والفقة والثقافة والتجربة الشخصية العميقة .
الحديث عن سلطنة عمان وعن زيارتي لها يقود لكتابة عدة مقالات ولكنني اكتفي بالقطاف السريع , هذا على امل المعاودة لجني ثمار اكثر .

Related posts

القطريون يصوتون على التعديلات الدستورية

الفايز يلتقي السفير السعودي لدى المملكة

20 شركة غذائية أردنية تشارك بمعرض الخليج الصناعي