راما اسماعيل عودة .. ” كفيفة تتحدى المستحيل “

المركز الاول في المسابقات الشعرية على لواء ماركا والمركز الثالث على المملكة 

عربة الإخباري –  محمد جميل النتشة – من يلتقي بها لأول مرة لا يشعر بوجودها إلا حين تتكلم. عندها فقط تسقط كل الفرضيات المسبقة التي تتشكل عند رؤية فتاة كفيفة أو أي إنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة.

مع راما، تتأكد أهمية مقولة سقراط: “تكلّم كي أراك”. هي نفسها لا تريد أن ترى من العالم إلا المعنى؛ المعنى الجميل الذي ينطوي على قيمة حقيقية. ولا شيء سوى الكتاب كان طريقها إلى الوجود الحقيقي والمعرفة الواسعة للإنسان والكون.

قد يقول البعض إن راما محظوظة لأنها ولدت في زمن تطورت فيه تقنيات القراءة. وقد يرى آخرون أن الفضل في نجاحها في القراءة يعود إلى مبتكر الكتابة البارزة للمكفوفين لوي برايل، أو من سبقه بخمسة قرون: زين الدين الآمدي بائع الكتب الكفيف في بغداد. لكن من يسمع قصة راما يدرك تماماً أن الوسيلة وحدها لا تكفي لتحقيق الطموح حتى عند الذين وُهبوا نعمة البصر.

باللمس والسمع قرأت راما اسماعيل ابراهيم عودة، من المملكة الأردنية الهاشمية – ياجوز ، من مدرسة عبدالله ابن ام مكتوم الثانوية المختلطه للمكفوفين ، تبلغ من العمر 17 عام ، 50 كتاباً خلال عام دراسي واحد لتنضم إلى قائمة التصفيات النهائية في تحدي القراءة العربي. 

إنها رحلة اختلطت فيها المشقّة بمتعة الاستكشاف؛ رحلة لم تطلب فيها راما مساعدة أحد ولا انتظرت تشجيعاً من أحد. والدتها كانت خائفة عليها من صعوبة استكمال الطريق إلى النهاية. أما والدها فكان على ثقة أنها لن تستسلم، فحياتها حتى الآن لم تكن إلا درساً في ترويض المستحيل.

تقول والدة راما: “منذ صغرها كانت مختلفة عن إخوانها. قبل فقدانها لبصرها، كانت تجذب الجميع إليها بروحها المرحة. عندما أصبحت كفيفة طورت قدرتها على الصبر والاجتهاد وسعت إلى توسيع مداركها. عرفت أن من حقّها أن يراها الناس ويشعروا بها. واستطاعت أن تثبت وجودها من خلال الثقافة والعلم والمعرفة. أحبت القراءة، وكانت تكتب النثر لفترة من الزمن، ثم أحبت الشعر وبدأت تكتبه، مما أثرى مفرداتها وتعزّزت ثقتها بنفسها، فشاركت في مسابقات شعرية وفازت بالمرتبة الأولى على لواء ماركا، وبالمرتبة الثالثة على مستوى المملكة الأردنية الهاشمية”.

وعن قرار راما بالمشاركة في تحدي القراءة العربي، تقول والدتها: “خفتُ عليها لأن التحدي كبير وبعض الكتب لن يكون متوفراً بلغة برايل. لكنها أصرت، وكانت تقضي الليل على الإنترنت تستمع إلى الكتب، ومع ذلك لم أتوقع أن تنجح. الفرصة ضعيفة والمساعدات قليلة وكم الكتب كبير. ومن مرحلة إلى أخرى بدأتُ أشعر أن الأمل بدأ يكبر. ومن لم يتوقع وصولها إلى المراحل النهائية بدأ يساندها.”

في عيني والدها، فإن راما مثال رائع في التغلب على المصاعب. ثقته بنجاحها كانت كبيرة. ومع ذلك أدهشته بوصولها إلى المراحل النهائية: “راما تدهشنا باستمرار. ونحن جديّون في التعامل مع رغباتها. إنها ترى العالم من خلال القراءة. وهذا الشغف دفعها إلى خوض التحدي. لم تكن كل الكتب متوفرة بطريقة البرايل، لكنها استطاعت لوحدها أن تجد البدائل، سواء عبر المكتبات الإلكترونية أو التسجيلات الصوتية التي تقوم بتنزيلها على هاتفها. وإذا تعذّر عليها الحصول على الكتاب كانت تذهب مع صديقتها إلى مكتبة الجامعة الأردنية. إن ما تقوم به راما درس لنا جميعاً بالمثابرة والصبر وترويض الواقع وتحويل المستحيل إلى ممكن. نحن نتعلم منها كل يوم كيف نتغلّب على أصعب التحديات.”

أما من يجلس مع راما فيقرأ ملامح الشجاعة في كل كلمة تقولها: “هذا التحدي ليس سوى ممرّ إلى دور أكبر. أريد أن أترك بصمتي في هذه الحياة التي تقدم لنا جميعا فرصاً متفاوتة، وعلينا نحن أن نتعب ونجتهد ولا نستلسم. دافعي أن أنفع الناس وإذا لم أختلف عن سواي فإني أدفن نفسي حية. هدفي أن أضيف شيئاً إلى هذا العالم فلا أكون عبئاً عليه من دون أي دور أو قيمة. حلمي أن أصبح دكتورة في الجامعة؛ ألهم جيلاً، أفهم لغته وتطلعاته فأشجعه على إحداث التغيير الذي يحلم به بدل الاتّكال على الآخرين ليقوموا بالمهمة. أنا لا أستهين بأي جهد مهما كان صغيراً لأنني متأكدة بأن تأثيره سيؤدي إلى خطوة تتبعها خطوات إلى أن نصل إلى التغيير المنشود”.

وعن مراحل التحدي التي قطعتها لبلوغ النهائيات، تقول راما: “طريق النجاح صعب لكن علينا ألا نسمح للخوف بإعاقة مسيرتنا وألا ننتظر من أحد أن يساعدنا. نحن نصنع الظروف ونصنع التغيير من خلال صناعة ذاتنا وبناء ثقافتنا بالقراءة والاطلاع.”

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Related posts

رئيسة اتحاد الكتاب السابقة رناد الخطيب في ذمة الله

مؤسسة شومان تعرض الفيلم التونسي (عرس القمر)

قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء الشّعلان: كيف عرفتُ نعيمة المشايخ مع سناء الشّعلان؟