الطريق الأميركي «العاجل» إلى الرقة

عروبة الإخباري- يبدو أن أمر معركة الرقة حُسم، على الأقل بالنسبة لمرحلتها الأولى، فالتأكيدات تصّب في كونِها مُتدرّجة. إذا مشت الأمور كما سمعها وزراء دفاعٍ في الحلف الأطلسي، من نظيرهم الأميركي، فستنطلق قوات «سوريا الديموقراطية» خلال أسابيع قليلة لمعارك يفترض أن تنتهي بإحكام العزلة على المعقل الداعشي.

الأتراك معترضون طبعاً، معترضون جداً، فالقوات المعتمدة معظمها من «وحدات حماية الشعب» من المقاتلين الأكراد السوريين، إلى جانب تشكيلات عربية. لكن واشنطن تؤكد أنها لا تملك وقتاً لإضاعته، مشددة على ضرورة إفشال مخططات تجري في الرقة لتنفيذ هجوم إرهابي كبير في الخارج.

الأميركيون متحفظون على تحديد إن كانت الأسابيع الفاصلة عن إطلاق المعركة ستتجاوز الشهر، لكن شركاء لهم في التحالف الغربي أكدوا أنها ستكون بالفعل أسابيع «قليلة». يقترح ذلك أن العملية يمكن أن تنطلق فيما الأميركيون مشغولون بالعملية الانتخابية الرئاسية، التي ستجري يوم الثامن من تشرين الثاني المقبل.

وفق المخططين العسكريين الأميركيين، سيتم اعتماد نموذج منبج في تنفيذ عملية الرقة. بكلمات أخرى، سيكون هناك إنشاء لما يشبه «المجلس العسكري للرقة»، يتكون من نواة من القوات المقتحمة يغلب عليها العنصر العربي، لتقوم هذه السلطة العسكرية بتعيين مجلس حكم مدني يسيّر شؤون المدينة.

لا حاجة للقول إن أنقرة تبذل جهوداً كبيرة لكتم غيظها، فالأميركيون اتخذوا قرارهم رغم اعتراضاتها الحادة، بعدما وصل الأمر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المطالبة بانسحاب الأكراد من منبج وإلا «فسنفعل اللازم». ردُّ الأميركيين على ذلك التهديد كان تحذيراً عالي العيار، لأن أي استهداف لمنبج يهدد حياة جنود أميركيين موجودين في المنطقة. ليس معروفاً إن كانت القيادة التركية أذعنت أخيراً، بالقبول أن الأميركيين سينجزون المسألة على طريقتهم، في مرحلتها الأولى على الأقل. بعدها سيكون لكل حادث حديثه بين الشريكين الأطلسيين. وزارة الدفاع الأميركية أوحت أن الأتراك رضخوا أخيراً لخطتهم تلك.

عقد وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر اجتماعين مع نظيره التركي فكري إيشيق، واحد ثنائي، وآخر بمشاركة نظيرهما الفرنسي جان إيف لودريان الذي أطلع الأتراك على نتائج اجتماع باريس لوزراء دفاع 13 دولة مشاركة في تحالف الموصل. خرج كارتر على الصحافيين الأميركيين الذين انتظروه في مقر الحلف الأطلسي، أمس الاول، ليطمئنهم أن الأمور مع تركيا أمكن وضعها تحت السيطرة. قال إن لقاءه مع إيشيق كان «منتجاً جداً جرت فيه مناقشةٌ عمليةٌ جداً حول مجمل نشاطات التحالف ضد داعش»، لكنه استدرك «لم نقم بإتمام أي ترتيبات جديدة»، في تأكيد عدم الوصول لاتفاقات حاسمة حول الأمور العالقة: واشنطن لا تدعم مشاركة تركية في الموصل رغماً عن بغداد، كما لا استجابة للاعتراض التركي على قيادة «قوات سوريا الديموقراطية» لعملية محاصرة الرقة.

المخرج الذي تقدمه واشنطن غير قابل للعمل أصلاً، سواء بالنسبة للقيادة الكردية أو بالنسبة لأنقرة. حاول كارتر الإيحاء بأجواء «بنّاءة» تسود النقاش مع الأتراك حول معركة الرقة، مشيداً بالتعاون الذي أفضى لإخراج «داعش» من مدينة دابق. علّق على ذلك بالقول إن ذلك النجاح «تمّ إنجازه من خلال شراكتنا مع الأتراك.. نحن نبحث عن فرصٍ أخرى، بما في ذلك المزيد في سوريا ليشمل الرقة».

الأمرُ غير وارد لأنقرة، فهي تُصرّ على وصم العمود الفقري لـ «قوات سوريا الديموقراطية» بأنها جزءٌ من «منظمة إرهابية»، تصطدم معها الآن في معارك بالنار بما يجعل تصور التكاتف معها لحصار الرقة شيئاً من الفانتازيا. الأميركيون لا يريدون إظهار الأمر وكأنه تحدٍّ للأتراك، لذلك يقولون لهم إنهم سيمضون إلى الرقة، حتماً وقريباً، مع القوات المستعدة والمتوفرة، بما يفترض أن لدى أنقرة فرصةً للمشاركة إذا أرادت. لكن أرض الواقع تقول شيئاً آخر.

لا تريد أنقرة القيام بما يعطي شرعية لمن تعتبرهم خصماً، امتداداً لمنظمة «حزب العمال الكردستناني»، لكن الأكراد السوريين لا يريدون أنقرة، ليس فقط لداعي الخصومة، بل لشكوكٍ عميقة بأن كل ما ستفعله هدفُه الأول النيل منهم. على هذا المنوال، تعلن القيادات الكردية أنها لا تقبل شراكة كهذا، لا في حصار الرقة ولا غيرها. هل هناك أكثر من ذلك؟ ضمن تلك الاستعداءات والخصومات المركّبة، التاريخية، هناك ما هو أكثر.

تواصلت «السفير» مع القيادة الكردية السياسية للوقوف على رأيهم. قال الرئيس المشترك لحزب «الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم إن تسليم الأمر لأنقرة سيعني، بترجمة ما، إرسال «داعش» ليحرر الرقة من «داعش». كيف ذلك؟ حسنا، بمجرد المصادفة، يطرح مسلم ما حدث في دابق بوصفه ممسكاً على سوء النيات التركية: «رأينا ما حدث هناك، إنها مجرد خدعة، عناصر داعش حلقوا لحاهم وغيّروا ملابسهم ثم انضموا للقوات التركية»، قبل أن يوضح «نحن نعرف أن إصرارهم على المشاركة في معركة الرقة كي يحافظوا على خط إمداد لداعش وليس للقضاء عليه، فتركيا احتلت أجزاءً من سوريا كي لا ينقطع التواصل مع داعش، تريد أن تذهب إلى (مدينة) الباب كي لا تنسد المنافذ بينهما».

إذاً، ما هو موقفهم من الإشراك التركي المحتمل، حتى بقوات سورية وكيلة عنهم، بما أن مسيرتهم إلى الرقة يلزمها غض نظر القوات الكردية عن توغل في أراض تحت سيطرتها؟ يكرر مسلم موقفاً حازماً رافضاً «نحن نعتبر أن القوات التركية هي قوات احتلال وليست قوات فتح، النقاشات الأخرى هي بين التحالف وتركيا، ليحلّوها بين بعضهم بعضا، بالنسبة لنا تركيا هي احتلال، وما نخشاه بالفعل أن تطعننا من الخلف، هذا أمر يجب أن يحله التحالف عبر التفسير والضمانات وغير ذلك».

خطط واشنطن لإطلاق معركة الرقة شرحها بتفصيلٍ وافٍ الجنرال ستيفن تاونسيند، قائد القوات الأميركية في العراق، خلال حديث ماراتوني بالدائرة الهاتفية مع الصحافيين في واشنطن. رغم حماوة معارك الموصل، إلا أن الحديث عن إشكالات المعركة المرتقبة في سوريا حظي بالنسبة العظمى من الشروحات. لكن الرسالة الجوهرية تكررت، في صيغ عديدة: «قوات سوريا الديموقراطية» شريك قادر أثبت فعالية، حقق إنجازات، لذا لا مكان للتردد في أنه الطرف الذي سيقود على الأرض معركة الرقة.

مع طرحه نموذج معركة تحرير منبج، يؤكد أن السيناريو ذاته سيتم اعتماده: «سنحاول تجنيد قوة من المنطقة في الرقة.. ما حصل في منبج مثال جيد لذلك، لقد جندنا قوات محلية من المنطقة لتكون جزءاً من القوة المهاجمة لتحريرها، ويشكلون (الآن) النواة للقوة الكاملة الباقية هناك». هنا ستعطى القيادة العسكرية لـ «قوات سوريا الديموقراطية» هامش تحرك معتبراً. هي من ستتولى تجنيد ما يفترض أن يشكل لاحقاً «مجلس الرقة العسكري»، وفق نموذج منبج، كما ستتولى عمليات التدريب الأساسية التي ستخضع لها القوة المجنّدة في الشمال السوري، فيما سيساعد الأميركيون في التدريبات المتخصصة بالنسبة للقيادة والأسلحة.

تعثرت شروحات الجنرال الأميركي مراراً بمعاودة الأسئلة حول الاعتراضات التركية، لكنه كل مرة كان يرد بأن الأمر حسم على ذلك الوجه لأن «قوات سوريا الديموقراطية هي القوة الوحيدة القادرة في المدى القريب». هذه العجالة التي تظهرها واشنطن تقول إن لها سبباً موجباً، لأن «هناك ضرورة ملحة لإنجاز عزل الرقة، لأن معطيات الاستخبارات تخبرنا أن هناك تخطيطاً جارياً لهجمات خارجية كبيرة، مركزها (التخطيطي) هو الرقة»، مشدداً على أن عزل الرقة «مهم جداً لنبدأ السيطرة على تلك البيئة ضمن جدول زمني قصير جدا». ستكون تلك المرحلة الأولى، أما عما سيلحق ذلك «فلا يزال يحدد بين حكومتنا وشركائنا المحليين والحكومة التركية».

الآمر الناهي في المسألة كما ردد الجنرال الأميركي هو بلاده، لكونها تُمسك دفة قيادة التحالف. تتشاور مع دوله، يختلف البعض معها، آخرون لهم وجهات نظر مختلفة، لكن واشنطن في النهاية تتخذ القرار الذي تراه الأنسب، ثم تنفذه بغض النظر عمن لا يعجبه، بما أنه «سيكون هناك من يتفق مع تلك القرارات، وهناك على الأرجح أعضاء في التحالف لا يقبلون بها». صحيح أن أنقرة تكرر على حليفها الأميركي أن لديها «مصلحة» في الانخراط بعملية الرقة، لكن عليها وفق القيادي العسكري الأميركي الانضواء لا التشرّط، بما أن القاعدة الحاكمة أن «الانضمام للتحالف يجب ألا يأتي مع مجموعة كاملة من القيود، عليهم أن يكونوا مستعدين (لفعل) ما يحتاج التحالف القيام به».(السفير)

Related posts

الانتخابات الأميركية… نهاية للحرب على غزة أم استمرار لها؟

(فيديو) الرئيس الأستوني: يجب حل العديد من الأمور قبل الاعتراف بفلسطين

قصف إسرائيلي على محيط السيدة زينب جنوب دمشق