عروبة الإخباري- ضمن الجدل غير المنتهي حول مقاطعة القيادة السياسية لفلسطينيي الداخل جنازة رئيس إسرائيل شيمون بيريز ينتصر المؤرخ الإسرائيلي بروفسور شلومو زند لهم ويذكرهم بمقاطعتهم للرئيس الراحل ياسر عرفات. وفي مقال بعنوان «حكاية جنازة» نشرته صحيفة «هآرتس» يستذكر المؤرخ المحاضر في جامعة تل أبيب جنازة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في القاهرة في 2004 بعدما توفي في ظروف غامضة. ويشير إلى أن القاهرة شهدت وقتها مراسم وداع رسمية، شارك فيها ممثلو 50 دولة، من المؤيدين والخصوم. وسار خلف نعشه الرئيس المصري حسني مبارك، والرئيس السوري بشار الأسد، وملك الأردن عبدالله، وملك المغرب محمد السادس، والرئيسان التونسي والسوداني، ورؤساء حكومات السويد والبرازيل وتركيا وماليزيا والباكستان وآخرون كثر جدا. وتابع القول «كانت جنازة وداعية مثيرة بشكل أقل عن جنازة بيريز، لكنها كانت محترمة جدا بالنسبة لرئيس بدون دولة. الولايات المتحدة، الوسيط المحايد المعروف بين إسرائيل وفلسطين، أرسلت مندوبا صغيرا: وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. أما إسرائيل فأرسلت الأصبع الوسطى».
ونبه زند، المؤرخ الذي وضع كتبا مهمة منها «اختراع الشعب اليهودي»، لعدم مشاركة أي مندوب إسرائيلي بدرجة عالية أو منخفضة، أو حتى متدنية، في الجنازة. كما لم يحلم أي زعيم من قادة المعارضة الإسرائيلية بالمشاركة في تكريم زعيم الشعب الفلسطيني، الذي كان أول من اعترف بدولة إسرائيل ووقع معها على اتفاق اوسلو. ويمضي في وضع الإسرائيليين أمام مرآة طالما تهربوا منها «لم يكلف، لا شمعون بيريز، ولا ايهود باراك ولا شلومو بن عامي ولا حتى عوزي برعام، أنفسهم للمشاركة في حزن الفلسطينيين. بعضهم صافح يده في الماضي، وبعضهم احتضنه بتأثر قبل سنوات من وفاته. ولكن منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، أعيد تصنيفه كمخرب شيطاني».
وبلهجة ساخرة ناقدة يقول إن محللي اليسار «المتعقل والمعتدل» كرروا الادعاء في مقالات كثيرة بأنه ليس شريكا ولا يوجد من نحاوره وإنه عندما تم نقل جثمان الرئيس إلى رام الله، وصل للجنازة إسرائيليون «متطرفون» وهامشيون، مثل اوري افنيري ومحمد بركة.
كما يقول إنه لم يكن كل أنصار السلام في إسرائيل في حاجة إلى انتظار عرض فيلم «حراس العتبة» في عام 2012، أي تصوير اعترافات كل قادة جهاز المخابرات العامة «الشاباك» تقريبا، بأنهم كانوا يعرفون في الوقت الحقيقي بأن عرفات لم يدفع ولم ينظم ولم يبادر إلى الهبة الجماهيرية في الانتفاضة الثانية، ولا أعمال «الإرهاب» التي رافقتها. لقد انضم الزعيم بدون مفر آخر إلى الموجة، لأنه كان سيفقد هيبته ومكانته.
ويؤكد زند أن خيبة الأمل من الخطوة الدبلوماسية التي لم يسبقها التحضير، والمهووسة تماما التي قام بها باراك في كامب ديفيد واقتحام ارئيل شارون للحرم القدسي كانت الأسباب الرئيسية لاندلاع المقاومة الفلسطينية غير المسيطر عليها. بلهجة ساخرة يوضح زند أن كل الذين يتساءلون اليوم لماذا كان من الصعب على الممثلين السياسيين للفلسطينيين في إسرائيل تقديم الاحترام الأخير لشمعون بيريز، يجب عليهم أن يتذكروا جنازة عرفات «والاحترام» الذي قدمه له الإسرائيليون. في محاولة استباقية ذكية يتابع زند «سيقولون لي، طبعا، ما هي العلاقة بين الجنازتين. في الحالة الأولى كان إرهابيا مقيتا، وفي الحالة الثانية محارب سلام لا يعرف الهوادة. في الأولى سياسي خبيث كالثعبان، وفي الثانية زعيم كبير، بين قلة غيروا التاريخ. في الأولى متآمر بلا هوادة على السلام، وفي الثانية شخصية تذكر بنلسون مانديلا. كيف تسمح لنفسك بالمقارنة؟..هكذا سيرد القراء في التعقيبات. وبرؤيته التاريخية يستحضر مقولة فرنسية، موضحا أن نابليون بونابرت قام في زمنه بتعريف التاريخ كقناع من الأكاذيب المقبولة على الجميع ويسقطها على السياسة في إسرائيل. ويضيف مناقشا «حتى وإن كانت هذه المقولة لا تسري بالضرورة على كل التاريخ، إلا أنه لا شك في أنها تصيب بشكل جيد كل تاريخ قومي. كما أنها تتفق بشكل مدهش مع شكل رؤية الماضي في إسرائيل 2016 .
وبخلاف الإجماع الإسرائيلي يؤكد زند أن بيريز كان يعبر بشكل واضح عن الصورة الذاتية لليسار المتعجرف، أو بدقة أكثر، كان خلاصة سياسية واضحة للخداع الذاتي. ويقول إن بيريز هو حامل معدات دافيد بن غوريون، الذي ساعده على تنظيم الهجوم الفاشل في 1956(العدوان الثلاثي على مصر) المرشد الايديولوجي الذي دعم الحكم العسكري حتى النهاية، حتى عندما عارضه مناحيم بيغن، المتآمر الذي صادق على إنشاء المستوطنات في قلب الضفة الغربية فقط لكي يمس بيتسحاق رابين، السياسي الطموح الذي تحول إلى أفضل شرطي في حكومة يتسحاق شامير وحكومة اريئيل شارون – انهى حياته كرئيس يمنح الرعاية والمبررات لسياسة بنيامين نتنياهو. ويخلص للقول «لا شك أنه قام بدوره النفعي الانتهازي بشكل رائع، وهكذا ارتقى وارتقى حتى وصل إلى القمة، أما نحن فتركنا في الأسفل». وبذلك يلتقي زند مع ما قاله وزير التعليم الإسرائيلي الراحل يوسي سريد الذي قال مرة إن الله حينما وزع الأنانية على البشر منح بيريز نصفها.(القدس العربي)