النواب والمعادلة الصعبة/ فهد الخيطان

المعادلة التي تحكم علاقة النواب بجمهور الناخبين، ومن لم يشاركوا في انتخابهم حتى، ليست مرشحة للتبدل في الوقت الحالي.

النواب وفق هذه المعادلة في وضع لايحسدون عليه؛ فهم من جهة مطالبون باتخاذ مواقف جسورة ضد الحكومات، والتصدي لسياساتها، لابل وحجب الثقة عنها، ومن جهة أخرى تلبية مطالب الناخبين الخدمية، ومشاكلهم الفردية العالقة في الدوائر الحكومية والوزارات.

وتقضي المعادلة القائمة من النائب أن يكون بوجهين: أسد تحت القبة، وأرنب في مكتب الوزير؛  يداري ويجامل لينال توقيع الوزير على معاملات المواطنين.

المئات من المواطنين يراجعون النواب يوميا، حاملين معهم سيلا من القضايا والمطالب الشخصية. وليس أمام النواب سوى قضاء يومه في التنقل بين الوزارات والدوائر الحكومية،  وإجراء الاتصالات الهاتفية لتسوية هذه المطالب، وتسجيلها في دفتر خدمة الناخبين.

ثمة قناعة لاتتزعزع عند الجمهور العريض من المواطنين، أن ما من وسيلة لحل المشكلات مع الجهات الرسمية أو الحصول على الحقوق، غير الواسطة. وفي بعض الأحيان يؤمن كثيرون أن بإمكانهم تحقيق الامتيازات غير القانونية بالاعتماد على وسيط نافذ. ومَن غير النواب أقدر على ذلك؟

فئة واسعة من الجمهور، ترى أنه من الأنسب لهم استخدام نفوذ النواب لتحقيق مطالبهم الخدمية، حتى لو كان ذلك على حساب ممارستهم لسلطتهم الرقابية على الحكومة، فالنيابة ولعقود طويلة ارتبطت في أذهان الناس بالمنافع المباشرة.

لكن ولشدة التناقض في الخطاب السائد، يتجاهل الرأي العام هذا المنطق، في المناسبات الفاصلة، فيصب جام غضبه على النواب، إذا مامنحوا الثقة للحكومة، أو مرروا قرارات رفع الأسعار.

يظهر ذلك جليا في مواقف النخب السياسية والإعلامية، غير المعنية أصلا بالدور الخدماتي للنواب، لكنها تعلم كما يعلم النواب أن للجمهور العريض متطلبات ومواصفات للنيابة مختلفة تماما عن مواصفات النخبة. وأن تغيير مفهوم النيابة ليبدو أكثر توازنا بين الخدمي والسياسي،  يتطلب إصلاحات جوهرية في التشريعات والثقافة السائدة، تحقيقها يحتاج لإرادة جماعية وزمن طويل.

ربما تكون الحكومات مرتاحة للمعادلة القائمة؛  فهي أداة حيوية لضمان دعم الأغلبية النيابية لسياساتها وثقتها للاستمرار في تولي المسؤولية. وكثيرا جدا ما قايضت الحكومات الخدمات بالتصويت على الثقة وتمرير التشريعات وإقرار الموازنات. وقد واجه النواب الذين عارضوا الحكومات أحيانا حجب الخدمات عنهم، لتأليب قاعدتهم الانتخابية ضدهم، وبالتالي ردعهم عن معارضة الحكومات في المستقبل، أو ضمان عدم انتخابهم في الدورة الانتخابية التالية.

لكن الدولة على المستوى العام، باتت تضج من علاقة قائمة على الابتزاز وتحاول بشتى الطرق تغيير المعادلة للتحلل من مطالب النواب الخدمية. وفي هذا الصدد تراهن على دور المجالس المحلية “اللامركزية” في المحافظات، لسحب البساط من تحت أرجل النواب، ونقل الصلاحيات الخدمية والتنموية لممثلي المناطق في المجالس المحلية، إضافة للبلديات.

 بيد أن هذه المحاولة ستمر في مرحلة اختبار تبدأ بعد انتخابات المجالس المحلية والبلدية الصيف المقبل، وإلى ذلك الحين، سيبقى النواب أسرى المعادلة الصعبة؛ نواب رقابة وخدمات في نفس الوقت.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري