الانتخابات التشريعية المغربية اختبارٌ لعملية الإصلاح/ بقلم: سارة فوير*

عروبة الإخباري- في 7 تشرين الأول/أكتوبر، توجّه المغاربة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب “مجلس نواب” جديد، الذي هو المجلس الأدنى في البرلمان. وهذه هي الانتخابات المماثلة الثانية منذ عام 2011، عندما تزعمت «حركة شباب 20 فبراير» الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في إطار تظاهرات “الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة. وستظهر النتيجة ما إذا كان التقدّم الذي أحدثته تلك الاحتجاجات مستمراً أو مصاباً بالجمود، وما إذا كان الحزب الحاكم بقيادة الإسلاميين سيحافظ على تفويضه الحالي.

الخلفية

رداً على احتجاجات عام 2011، دعا الملك محمد السادس إلى اعتماد دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية. ومن بين التغييرات التي أدخلها الدستور الجديد توسيع صلاحيات البرلمان الثنائي المجلس واشتراط أن يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالعدد الأكبر من المقاعد. وفي الوقت نفسه، احتفظ الملك بسلطةٍ على قرارات الحكومة وبصلاحية مطلقة على الأمن القومي والسياسة الخارجية والشؤون الدينية، ليضطلع بدور رئيس الدولة و”أمير المؤمنين” على حد سواء، وهذا الأخير هو السلطة الدينية العليا في البلاد.

غير أن بعض الجماعات المنضوية تحت «حركة شباب 20 فبراير» لم تكن راضية عن الدستور الجديد وقاطعت الانتخابات التي تلت ذلك، شأنها شأن «جماعة العدل والإحسان» – التنظيم الإسلامي الأكبر المعادي للنظام الملكي – التي تقاطع الانتخابات مرة أخرى هذا العام. بيد، اعتبر العديد من المغاربة أن مسودّة الدستور تشكل خطوة مهمة، وإن كانت تدريجية، لدفع عجلة الإصلاح الديمقراطي. يُذكر أن نحو 45% من الناخبين المؤهلين شاركوا في الانتخابات الأولى، حيث اختاروا برلماناً يهيمن عليه «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي المعتدل الذي حصل على 27% من الأصوات و107 مقاعد من أصل 395 (وانقسمت المقاعد المتبقية التي يبلغ عددها 288 بين سبعة عشر حزباً).

وانسجاماً مع الإجراءات الدستورية الجديدة، قام الملك بتعيين زعيم «حزب العدالة والتنمية» عبد الإله بنكيران (إبن كيران) رئيساً للوزراء. وبعد ذلك، شكّل الحزب تحالفاً حاكماً مع «حزب الاستقلال» اليميني – الوسطي و«الحركة الشعبية» ذات التوجه البربري و«حزب التقدم والاشتراكية» اليساري. وعندما انسحب «حزب الاستقلال» في عام 2013، حلّ محله الحزب الليبرالي الجديد المعروف بـ «حزب التجمع الوطني للأحرار»، وصمدت حكومة ابن كيران خلال الفترة المتبقية من ولايتها التي أمدها خمس سنوات.

أحزاب جديرة بالانتباه

تتنافس أكثر من 30 حزباً في الانتخابات الراهنة، ولكن هناك ثلاثة أحزاب فقط – هي «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الأصالة والمعاصرة» الموالي للبلاط الملكي و«حزب الاستقلال» – لديها مرشحين في كافة الدوائر الانتخابية البالغ عددها 92 دائرة. ومع أنه لا يُسمح بإجراء استطلاعات خلال فترة الحملات الانتخابية، إلا أن معظم المراقبين رجّحوا أن يتنافس «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الأصالة والمعاصرة» على المرتبة الأولى. وتتضمّن التشكيلات الأخرى الجديرة بالانتباه «حزب الاستقلال» وكتلة جديدة تُعرف باسم «فيدرالية اليسار الديمقراطي».

«حزب العدالة والتنمية». هو فرع جماعة «الإخوان المسلمين» في المغرب، وقد فاز بأكثرية الأصوات خلال انتخابات عام 2011 باستناده على برنامج قوامه العدالة الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية وجهود مكافحة الفساد. ومع ذلك، فبمجرد استلامه الحكم بدأ يواجه عقبات اعترضت تطبيق هذا البرنامج – كان بعضها من صنع يده وبعضها الآخر ناتجاً عن التحالف غير المستقر والهيمنة المستمرة للبلاط الملكي على عدة مجالات رئيسية في السياسة.

وهذا العام، تركّزت حملة «حزب العدالة والتنمية» على وعدٍ بمواصلة تطبيق أجندة الإصلاح التي وضعها، كما دافع عن سجله في السلطة – حيث يمكن للحزب أن ينسب لنفسه الفضل في إصلاح نظام التقاعد المغربي المعترف به على نطاق واسع واعتماد 19 من أصل 20 من القوانين الأساسية التي وردت في الدستور الجديد. بيد أنه عجز عن تحقيق العديد من أهدافه، مثل زيادة النمو الاقتصادي إلى 5.5% وخفض البطالة إلى نسبة 8%. وعوضاً عن ذلك، تأرجح إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الفعلي خلال السنوات الخمس الماضية بين 1.7 و4.7%، وأصبحت معدلات البطالة تحوم الآن حول 10% على الصعيد الوطني و20% في أوساط الشباب. كما فشل الحزب في خفض معدلات الفساد بشكل ملحوظ، ما قد يفسّر سبب قيامه بهدوء بإلغاء هذه المسألة من سُلّم أولويات سياساته هذه المرة.

ومع ذلك، من المستبعد أن يكون لسجل «حزب العدالة والتنمية» المتباين خلال فترة ولايته تأثيرٌ سلبي كبير على التأييد الذي يحظى به، نظراً إلى صورته التي نجح في الحفاظ عليها كحزب نظيف، وإلى شعبية بنكيران الثابتة، إضافةً إلى توجهات الحزب الإسلامية التي تلقى صدىً على نحو واسع في البلاد. وفي الواقع، جمع الحزب 1.5 مليون صوت في الانتخابات الإقليمية والمحلية التي جرت العام الماضي – أي أكثر بواقع نصف مليون صوت من مجموع رصيده من الأصوات في الانتخابات البرلمانية عام 2011، وهو نصر تمكّن من تحقيقه رغم عجزه عن الوفاء بالوعود الاقتصادية الرئيسية التي كان قد قطعها.

«حزب الأصالة والمعاصرة». أنشأه أحد المقربين من العاهل المغربي عام 2008، ويرأس هذا الحزب اليساري-الوسطي حالياً إلياس العماري – سياسي من منطقة الريف شمال المملكة المغربية. وخلال عام 2011، حلّ الحزب في المرتبة الرابعة لكنه تفوّق على «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي بحصوله على خمسة مقاعد من أصل اثني عشر مقعداً في المجلس الإقليمي في البلاد وفوزه بأكبر عدد من مقاعد المجالس البلدية. وسعياً منه إلى الاستفادة من موقفه المعارض طوال فترة ولاية بنكيران، سلّط «حزب الأصالة والمعاصرة» الضوء على الإخفاقات الاقتصادية لـ «حزب العدالة والتنمية» وشكّك في أهدافه الطويلة الأمد، مشدّداً على الروابط الوثيقة التي تجمع هذا الحزب الإسلامي بـ «حركة التوحيد والإصلاح»، وهي جمعية من المجتمع المدني تكرّس أعمالها لنشر الدعوة وتوفير الخدمات الاجتماعية.   

وفي حين لا تختلف السياسة الاقتصادية لـ «حزب الأصالة والمعاصرة» كثيراً عن تلك التي ينتهجها «حزب العدالة والتنمية»، يقترح الحزب إصلاح مدوّنة الأحوال الشخصية في المغرب وتعزيز المساواة بين الجنسين في مسائل الإرث ونقل الجنسية المغربية (حيث ينحصر هذا الحق الأخير حالياً بالآباء فقط). وقد يعكس التركيز على تمكين النساء مسعىً يرمي إلى تمييز «حزب الأصالة والمعاصرة» عن النزعة الاجتماعية المحافظة التي يتّسم بها «حزب العدالة والتنمية». ويبقى أن نرى فيما إذا كان هذا المسعى سيؤتي ثماراً، علماً بأن المصدر الرئيسي لجاذبية «حزب الأصالة والمعاصرة» في أوساط مناصريه يبقى صورته كقوة تقدّمية تحمي البلاد من التطرّف الإسلامي. أما بالنسبة إلى معارضيه، فإن ارتباط الحزب الوثيق بالنخبة الحاكمة المرتبطة بالبلاط الملكي (المعروف أيضاُ باسم المخزن) يشكّل أكبر نقاط ضعفه.

«حزب الاستقلال». من أقدم الأحزاب السياسية في المغرب، حيث شارك في المعارضة وخرج منها عدة مرات على مرّ السنين. ومؤخراً، تسبب «حزب العدالة والتنمية» بتقليص قاعدة دعمه في أوساط الطبقات الوسطى والعاملة ذات النزعة الاجتماعية المحافظة في المدن. فعلى سبيل المثال، خلال الانتخابات البلدية التي جرت العام الماضي، حلّ «حزب الاستقلال» في المرتبة الثانية بعد «حزب الأصالة والمعاصرة» لكنه تكبّد خسائر محرجة أمام «حزب العدالة والتنمية» في معظم المدن الكبرى، بما فيها معقله التقليدي في فاس. ونتيجةً لذلك، يبقى أمام الحزب الكثير ليثبته في الانتخابات الحالية. وربما هذا هو سبب وضعه مجموعة أهداف طموحة – إن لم نقل مستحيلة – في سياساته، على غرار استحداث 800 ألف وظيفة جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة وتقليص البطالة إلى 7%.

«فيدرالية اليسار الديمقراطي». من أبرز التطورات التي تتّسم بها هذه الانتخابات هو الحضور الكبير على نحو غير متوقّع لـ «فيدرالية اليسار الديمقراطي»، الكتلة التي تضمّ ثلاثة أحزاب علمانية تطرح مرشحيها في 97% من الدوائر الانتخابية. وعلى الرغم من مقاطعتها الاستفتاء الدستوري في عام 2011، شاركت الكتلة في الانتخابات المحلية العام الماضي وفاجأت المراقبين بحلولها في المرتبة الثانية في الرباط، أي بعد «حزب العدالة والتنمية» فقط. وترأس «فيدرالية اليسار الديمقراطي» نبيلة منيب التي أصبحت في عام 2012 أول إمرأة مغربية تتزعم حزباً سياسياً رئيسياً.      

وسعت الكتلة هذا العام إلى فرض نفسها كبديل متجدد لما يعتبره الكثيرون يساراً متصلّباً ومتشرذماً –  وهو موقف وسطي بين «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي و«حزب الأصالة والمعاصرة» المقرّب من المخزن. ومع تركيزها على تقاسم السلطة السياسية بإنصافٍ أكبر واحتمال إجراء مراجعات دستورية لهذه الغاية، من المرجّح أن تستميل «فيدرالية اليسار الديمقراطي» أفراد «حركة شباب 20 فبراير» والديمقراطيين الاشتراكيين الساخطين الذين خيّبت روابط «حزب الأصالة والمعاصرة» بالبلاط الملكي آمالهم.

تداعيات الانتخابات

سيتمثّل التأثير الفوري الأكبر للانتخابات في تحديد هوية رئيس الحكومة المقبل في المغرب. فمن شأن فوز «حزب الأصالة والمعاصرة» أن يقلل من قوة زخم الحزب الإسلامي الحاكم في البلاد، في تطوّر سيلقى على الأرجح ترحيباً من البلاط الملكي. ومع ذلك، تشير تجربة السنوات الخمس الماضية إلى أن فوز «حزب العدالة والتنمية» لن يتسبّب بانتشار الفوضى أو حتى بنزاع مع العائلة المالكة، إذ يبقى كلا الطرفيْن حريصاً على حماية المغرب من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وعلى إبقاء المملكة على مسار الإصلاح التدريجي. وعلى أي حال، ففي ظل وجود 4 آلاف مراقب للانتخابات للإشراف على عملية التصويت كما كان مقرراً، من غير المرجّح أن يتدخل البلاط الملكي في العملية.

لكن بغض النظر عما ستعنيه النتائج بالنسبة للمكانة السياسية لكل حزب، يُعتبر إجراء انتخابات وطنية حرة وعادلة للمرة الثانية منذ اضطرابات عام 2011 إنجازاً مهماً لأحد حلفاء واشنطن القلائل الذي يشهدون استقراراً نسبياً في المنطقة. ولا يزال المغرب يواجه تحديات كبيرة، أهمها معدلات البطالة والفساد المرتفعة التي ساهمت في إطلاق شرارة الاحتجاجات في عام 2011، إلى جانب التهديدات الأمنية المستمرة التي تتجلى في نجاح الحكومة المتكرر في إحباط المؤامرات الجهادية المحلية. ومع ذلك، من شأن الانتخابات الناجحة التي تسجل فيها نسبة مشاركة ثابتة أن تشير إلى موافقة شعبية على عملية الإصلاح الرامية إلى التصدّي لهذه التحديات – وهي عملية نجحت حتى الآن في تجنيب البلاد الركود السلطوي المستفحل والثورة العنيفة التي تشهدها الدول الأخرى.(معهد واشنطن)

*سارة فوير هي زميلة “سوريف” في معهد واشنطن ومؤلفة تقريره الأخير باللغة الانكليزية “دولة الإسلام في المعركة ضد التطرف: الاتجاهات الناشئة في المغرب وتونس”.

Related posts

تحديات الإعلام المسؤول في مواجهة الأخبار المضللة

ورقة بحثية: الهيمنة الذكورية على الخطاب السياسي وتأثيره في نشاط النساء في الحياة السياسية

أطفال الحرب: بين الواقع المرير والعالم الافتراضي