عروبة الإخباري- يتوقع عدد من المراقبين أن يقوم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بطرح مبادرة حول التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأكدوا أن الرئيس لا يزال لديه الوقت الكافي لكي يغير من قواعد اللعبة ويؤكد إرثه في القضية التي بدأ متحمسا لها في بداية ولايته عام 2009. وقالوا إن الرئيس في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض يمكنه أن يتخذ قرارات تنفيذية مؤثرة كما فعل رونالد ريغان عندما اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. وتظل القضية الفلسطينية من القضايا التي لم تعد تحظى باهتمام كبير لدى صناع القرار الدولي، بسبب تداعيات الربيع العربي والمسألة السورية والحرب في اليمن وليبيا وتهديد تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصبح شغل الرئيس أوباما الشاغل بحيث طغى على اهتمامه بكل القضايا التي يعاني منها الشرق الأوسط في الوقت الحالي.
جنازة
وكما لاحظت سوزان غليسر محررة مجلة «بوليتكو» فإن جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز الذي توفي عن 93 عاما كانت تذكيرا بالحالة التي وصلت إليها العملية السلمية. وتساءلت «هل دفنت الولايات المتحدة العملية السلمية مع حليفها وصديقها بيريز؟» (30/9/2016). وبعيدا عن الأهمية التي أضفتها الكاتبة على مسيرة بيريز باعتباره آخر صلة مع مؤسسي إسرائيل إلا أن «أوسلو» لم يتم التلفظ بها حيث كان الرئيس الفلسطيني الذي كان وراء قنوات أوسلو السرية مع بيريز حاضرا الجنازة. وقامت عملية أوسلو على فكرة حل الدولتين إلا أنه منذ ذلك تفككت ودخلت دوامة العنف وتبادل الإتهامات وأصبحت مرادفا للآمال المحطمة. وتقول إن العملية السلمية خرجت عن مسارها بحيث كان حضور عباس للجنازة ومصافحته بنيامين نتنياهو مناسبة إعلامية كبيرة علق فيها على كلمات الرئيس الفلسطيني «منذ مدة طويلة، منذ مدة طويلة». فلم يلتق عباس نتنياهو منذ ستة أعوام، رغم الساعات الطويلة التي قضاها الوسطاء ووزير الخارجية الأمريكي الذي لا يكل جون كيري المتفائل دائما بإمكانية التوصل إلى حل، لكن المصافحة التي تمت في جنازة بيريز قبل اسبوع أو يزيد لن تقود كما تقول غليسر إلى انفتاح بين عباس ونتنياهو الذي شكر كل الزعماء الذي قدموا للمشاركة في جنازة بيريز ولم يذكر عن قصد اسم الزعيم الفلسطيني.
مهمة غير منجزة
وترك أمر العناية بعباس للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كتب خطابه بنفسه، ولم يذكر أي زعيم من الحاضرين بالإسم سوى عباس الذي قال إن حضوره يذكرنا بالمهمة غير الناجزة للسلام. وكان كلامه تذكيرا للحضور أنه سيترك البيت الأبيض كما حصل مع بيل كلينتون وغيره من الرؤساء الأمريكيين، وهو يشعر بالإحباط لأنه لم يستطع كسر جمود العملية السلمية. ونقلت الكاتبة هنا عن مسؤول سابق في إدارة أوباما قوله « تساءل بعضنا هل هو موت بيريز أم موت مرحلة وعملية وأمل». وقال «من الواضح أن هذا الرئيس سيغادر (البيت الأبيض) وهو يشعر بالخيبة الشديدة». وتقول إنه مع كل الأزمات في العالم فمن السهل تذكر أن أوباما تولى منصب الرئاسة عام 2009 وهو متفاؤل من حظوظه لتحقيق السلام. فبعد يومين من بدء ولايته الأولى أعلن عن تعيين جورج ميتشل، زعيم الغالبية الديمقراطية السابق كمبعوث شخصي له، وكانت أول مكالمة لزعيم أجنبي مع الرئيس عباس. ولكن جهوده تعرضت للتخريب عندما أعلن نتنياهو عن جولة جديدة من البناء الإستيطاني عندما كان نائب الرئيس جوزيف بايدن في زيارة رسمية لإسرائيل لتتوقف الجهود. ومن ثم أحياها كيري مرة أخرى وبجهد ماراثوني عام 2013 وانتهى جهده بفشل ذريع. وتقول غليسر إن مستشاري أوباما اعترفوا في أحاديثهم الخاصة بمحدودية الإدارة الأمريكية، أي إدارة على فرض حل الدولتين خاصة أن الديموغرافيا تتغير على الأرض بشكل كبير، ويتزايد عدد السكان الفلسطينيين بمعدلات أكثر من الإسرائيليين فيما يستمر التوسع الإستيطاني بحيث وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى ما يزيد عن 350.000 مستوطن يعيشون داخل حدود الدولة الفلسطينية المفترضة. ومن هنا تساءلت الكاتبة إن كان بمقدور هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب إن فاز أي منهما في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل فعل شيء مختلف عن البقية؟
وتنقل عن دينس روس، المبعوث الخاص للشرق الأوسط لعدد من الرؤساء والذي عمل مستشارا بارزا لأوباما وشعر بالخيبة من طريقة معالجة الرئيس للموضوع ويعمل روس الآن مستشارا لكلينتون قوله إنها وفريقها لن يتخلوا عن حل الدولتين. ويعتقد أن مشكلة أوباما وفريقه كانت «إما أن تحل المشكلة أو التوقف عن عمل أي شيء». وهو ينصح فريق كليتنون بتبني مدخل هادئ ولكن مستمر. ويتوقع روس حدوث تحرك في الملف حالة انتخبت كلينتون خاصة أن نتنياهو سيجد من المناسب العمل معها لانه سيحصل على صفقة جيدة. ومع ذلك ستكون مهمة الزعيم الأمريكي الذي يتجرأ ويدخل في العملية السلمية صعبة، لأنه بحاجة إلى إعادة الشعور بإمكانية إحياء أمر انتهى أو ضاع بشكل كامل. فقبل ستة أعوام وعندما كانت محاولات أوباما الأولى لتحقيق السلام تتداعى، كتب آرون ديفيد ميللر مقالا في «فورين بوليسي» تحدث فيه عن الأسباب التي تجعل من اتفاق كل من نتنياهو وعباس في أثناء ولاية أوباما أمرا مستحيلا وأن متابعة السياسة نفسها المرة تلو الأخرى لن تؤدي إلا للنتائح السيئة نفسها. ومن هنا جاءت مشاركة بيل كلينتون وعباس وأوباما في جنازة بيريز لتذكر أن مسارات أوسلو قد توقفت. وجرى في الفترة الماضية حديث عن مسار روسي لجمع نتنياهو مع عباس في موسكو ومحاولة فرنسية لإحياء العملية السلمية ودعوات مصرية، إلا أن مسار التسوية مرتبط في النهاية بممارسات إسرائيل التي تحولت وفي ظل نتنياهو نحو اليمين المتطرف.
الإستيطان
ومن هنا تساءلت صحيفة «نيويورك تايمز» (6/10/2016) إن كان هدف الحكومة الإسرائيلية الحالية هو منع عقد صفقة سلام مع الفلسطينيين الآن أو في المستقبل، فإنها تقترب من تحقيق هدفها في إشارة لقرار الحكومة بناء مستوطنة يهودية جديدة في الضفة الغربية. وهي خطوة أخرى من المسيرة الصلبة في ظل نتنياهو للبناء على الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية. وفي الوقت الذي شجبت فيه إدارة أوباما وبعبارات شديدة الخطة باعتبارها خيانة لحل الدولتين في الشرق الأوسط، إلا ان نتنياهو لا يهتم بما تفكر به واشنطن. ومن هنا فالأمر يعود إلى إدارة أوباما البحث عن طرق للحفاظ على الفكرة قبل مغادرته البيت الأبيض. ومن هنا أشارت الصحيفة إلى الفكرة التي يتم نقاشها الآن في مجلس الأمن التابع للأمم وهي قرار رسمي عن مجلس الأمن يحدد المعايير الرئيسية للعملية السلمية ويتصدى لقضايا تتعلق بأمن إسرائيل ومستقبل القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين وحدود الدولتين. وكانت الأمم المتحدة قد حددت في الماضي المبادئ التي ستقود للعملية السلمية من خلال قرار 242 (1967) وقرار 338 (1973).
ومن هنا فالقرار الجديد إن صدر سيكون ذا طبيعة أكثر تحديدا ويأخذ بعين الإعتبار الوقائع على الأرض. وفي حالة لم يتم التوصل إلى قرار من هذا النوع فيمكن للرئيس أوباما التحرك ومن طرف واحد ويضع معالم الحل لطرفي النزاع. وترى الصحيفة في هذا الخيار حلا ضعيفا. وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها من آثار المستوطنة الجديدة على الوضع في الضفة من ناحية تقسيمها إلى قسمين. فهي ستحتوي على 300 بيت لاستيعاب مستوطني الكتلة الإستيطانية امونا التي أصدرت محكمة إسرائيلية امرا بتفكيكها. وقالت الخارجية إن «المستوطنة الجديدة» ستكون قريبة للأردن أكثر من إسرائيل و «ستقسم الضفة الغربية بشكل يجعل من إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرا بعيد المنال». وتقول الصحيفة إن الفشل في تجميد المستوطنات ظل في مركز التوتر بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة وإسرائيل.
ولكن القرار الأخير يعتبر إهانة للولايات المتحدة خاصة أنه يأتي بعد أسابيع من توقيع أكبر اتفاقية دفاع في تاريخ الولايات المتحدة وستزود بموجبها واشنطن إسرائيل بمساعدات بقيمة 38 مليار دولار على مدى 10 أعوام. ولو أعلن عن هذه المستوطنة الجديدة قبل توقيع الصفقة لتأثرت المفاوضات، ومن الناحية النظرية تمنح المساعدات الولايات المتحدة تأثيراعلى إسرائيل إلا أن الإدارات الأمريكية السابقة تجنبت استخدامه. إلا أن جورج بوش قام عام 1990 بتعليق قرض بقيمة 400 مليون دولار على خلفية التوسع الإستيطاني. ويعتقد أن القرار كان سببا في خسارته الانتخابية لاحقا.
وترى الصحيفة أن الأسلحة مهمة إلا أن أحسن وسيلة لتحسين أمن إسرائيل تتم عبر اتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين. فالتوسع الإستيطاني المستمر قد سمم آمال الفلسطينيين ولعب دور المحفز في تصاعد العنف وزيادة النزاع. ولكن نتنياهو لا يشعر بالضغط كي يوقف البناء الإستيطاني، ليس من الفلسطينيين المنقسمين تحت قيادة ضعيفة وبالتأكيد ليس من الدول العربية التي لم تظهر التزاما حقيقيا لدعم الدولة الفلسطينية وتقوم الآن بتوثيق صلاتها التجارية والأمنية مع إسرائيل، العدو القديم الذي تحول الآن إلى مركز اقتصادي وتكنولوجي. ومن هنا فالضغط الحقيقي لن يأتي إلا من الرئيس أوباما الذي سيقود مجلس الأمن لوضع صلاحياته خلف قرار يدعم حل الدولتين ويحدد المعالم لهما. وربما كان هذا القرار نوعا من التمرين البيروقراطي الذي لن يغير شيئا ولكنه نوع من الضغط السياسي الذي يكرهه نتنياهو ويعمل بجهد لمنعه.
وهو في النهاية قرار سيكون رمزيا كما كتب ناثان ثرول في مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس» (10/9/2016) فمن خلال الإعتراف بدولة فلسطينية سيضعف أوباما وضع الفلسطينيين على الورق لكنه يقويه من ناحية الممارسة ومن خلال وضع معايير ملزمة لولادة الدولة الفلسطينية. وهذا أقل ما يمكن أن يفعله أوباما في أيامه الأخيرة. ولكن الخيبة في هذا الرئيس أنه أول رئيس شعر الفلسطينيون أنه يملك الكفاءة لإنهاء الإحتلال. ففي عام 2003 تناول أوباما الشراب مع المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني رشيد الخالدي، المحاضر في جامعة شيكاغو ولاحقا كولومبيا. وتذكر وجبات الطعام التي كانت تعدها منى، زوجة رشيد والأحاديث التي تبادلوها «وذكرتني بشكل متكرر بالنقاط المظلمة والتحيزات في داخلي». كما قابل وحضر محاضرات المفكر والناقد الفلسطيني إدوارد سعيد الذي كان من أوضح وأفصح الناقدين لاتفاق أوسلو. ومنح كلمات تشجيع للناشط الفلسطيني علي أبو نعمة، الكاتب ومؤسس «إليكترونيك إنتفاضة». وعلى خلاف بقية الرؤساء فقد كان أوباما قادرا على فهم والتواصل مع التجربة الفلسطينية وكان بإمكانه بناء موازاة بين الإستعمار البريطاني لكينيا، حيث ولد والده المسلم وبين حركة الحقوق المدنية للأمريكيين السود. ومقابل هذا التعاطف مع الفلسطينيين كان أوباما أكثر رئيس قدم دعما ماليا وعسكريا لإسرائيل أكثر مما قدم رؤساء قبله. وقضى مساعدوه الأشهر الأخيرة في التفاوض حول أكبر صفقة تسليح في تاريخ الولايات المتحدة. ومن هنا فالنتيجة هي أن الفلسطينيين سيخرجون بالخيبة من حقبة أوباما كما خرجوا من حقب رؤساء سابقين. وهذا هو استمرار للخيبة منذ أن كسر هاري ترومان تعهد سلفه للعرب بالتشاور معهم حول فلسطين وحول أمريكا بالضرورة إلى وسيط غير نزيه.(القدس العربي)