لن نرضخ لإرهابهم/ فهد الخيطان

هذه أول جريمة يمكن نسبها رسميا لإعلام التواصل الاجتماعي، ضحيتها إنسان من دم ولحم. حتى قبل استشهاد الزميل والصديق ناهض حتر، ظلت جرائم الكراهية في”السوشل ميديا” مقتصرة على اغتيال السمعة، وتحقير البشر لمجرد الاختلاف معهم في الرأي.

هي أول مرة في الأردن،  يتحول اغتيال السمعة من العالم الافتراضي، إلى الواقع الفعلي. ولم يكن المجرم الإرهابي الذي ارتكب فعلته الدنيئة،  سوى أداة تنفيذية لأناس افتراضيين،  تولوا محاكمة الشهيد وإصدار حكم الإعدام عليه. ليس كلاما افتراضيا نقوله في لحظة صادمة وموجعة، إنما الحقيقة، فأحد الحسابات “جروب” على موقع”الفيسبوك” حمل عنوانا صريحا وواضحا؛ “معا لقتل ناهض حتر”.

والحقيقة الموجعة قدر وجع الجريمة أن المسافة بين العالم الافتراضي والواقع تكاد تتلاشى تماما، لتبدو التعليقات على تلك المواقع صورة مطابقة للواقع.

نملك هذا القدر من الوحشية للتشفي بزهق روح إنسان؟ نعم وأكثر، وردود الفعل عقب الجريمة كانت مرعبة حد القهر.

ناهض حتر ليس حديث الحضور في مشهد الخلاف والاختلاف في الرأي. منذ حضوره في الساحة السياسية والإعلامية كان صاحب مدرسة في التفكير تثير الجدل الغني والمفيد في المجتمع. وقابله على الطرف الآخر رجال مثله يحملون أفكارا تختلف مع أفكاره. لكن الودّ لم يفارق علاقات الطرفين أبدا.

كان أصحاب الآراء المتخاصمة كبارا في خصومتهم،  وناهض في مقدمتهم. مرة كاد أن يفقد حياته، لكنه لم يفكر بالانتقام، عاد كما كان عاشقا لبلده وشعبه، ومسكونا في الهم العام إلى الحد الذي لايطاق أحيانا.

كيف بلغنا هذه المرحلة في الأردن؟ ضجيج الإقليم ودماء الضحايا أعمت بعضنا عن إدراك سر المعجزة الأردنية التي قاومت على مدار تسعين عاما إغراءات القتل والفوضى والاحتراب الداخلي، وخرجت أكثر قوة بعد كل امتحان.

التقيت ناهض قبل أيام من استشهاده، كان مطمئنا ولا يشعر بالقلق على حياته، وقال لي إن جهات رسمية طمأنته أيضا. في الحقيقة كان الشهيد مثلنا جميعا لايخطر بباله أبدا أن أردنيا مهما كان موقفه وتشدده، يمكن أن يحمل السلاح ويقتل شقيقه.

صحيح أننا فجعنا باغتيال ناهض حتر، لكننا فجعنا أكثر بوجود قتلة بيننا، لايكترثون بالسلم الأهلي للبلاد، ولايعرفون تاريخ شعبها المجبول على المحبة والتعايش.

لكن الجريمة تضعنا على مفترق طرق؛ إما أن نرضخ لثقافة دخيلة، تريد فرض نفسها على المجتمع، فتمزقه وتأخذه على طريق الدم والقتل، أو نقف صفا واحدا في وجهها، ليس بإدانتها فقط، إنما بالانتصار التام والقاطع عليها.

بداية المواجهة، أن نحيي تلك القيم العظيمة التي تأسست عليها المملكة، والسنين الصعبة التي كافحنا فيها لنظل وطنا واحدا وشعبا واحدا، لم تهزمه مؤامرات خارجية وداخلية، فهل يعقل أن نستسلم لعدو افتراضي يريد تصفيتنا؟

لقد شوهت “الميديا” العفنة تفكير الكثيرين، لكن مخزوننا من القيم سيهزم ثقافة الكراهية.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري