ضربة شديدة على الرأس!/ محمد أبورمان

بعيداً عن بعض الأصوات النشاز؛ فإنّ المجتمع الأردني اهتزّ أمس لجريمة اغتيال ناهض حتر، فمثل هذه الواقعة دخيلة تماماً على ثقافتنا، ولم يُقتل صحفي أو كاتب بسبب آرائه ومواقفه، فحتى لو اختلفنا في أيّ موضوع، فإنّ الفيصل هي الحجة، وهنالك في نهاية المطاف دولة وقانون ومؤسسات قضائية يرجع الجميع إليها.

لكن دعونا نكون صريحين ونتحدث بما يتجاوز المجاملات والخطاب العاطفي الفارغ، ونصارح أنفسنا بأنّ جريمة أمس لم تأت من فراغ، بل هي جزء من سياق بدأنا نسير فيه منذ فترة، إذ تنامت حالة انقسام اجتماعي وثقافي على خلفية الموقف من التطورات الإقليمية، تحديداً ما يحدث في سورية، ثم انتقلت إلى معارك داخلية، مثل مناهج التربية والتعليم وقضية ناهض حتر نفسه، وقبله الشاب شادي أبو جابر، والقلق الشديد من نمو تيار مؤيد لأفكار داعش في الداخل، وأحداث إربد والبقعة.

جريمة اغتيال ناهض بمثابة ضربة شديدة على رأسنا جميعاً، نحن الأردنيين، كي نصحو، ونفكّر بصورة جدية في حماية وصيانة الحالة الداخلية والسلم المجتمعي والأهلي، وردّ الاعتبار لثقافة التعددية والقبول بالآخر والحوار، والخروج من حالة “العصابية” التي وقعنا فيها جميعاً، وظهرت جلية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي حواراتنا، وهي تعكس نزقاً غريباً بالاختلاف بالرأي وانقساماً وتجاذباً حادّاً بين الآراء والمواقف والأفكار!

هي ضربة شديدة على رأس الدولة التي تجاهلت أهمية الرسالة السياسية والمؤسسات الثقافية في حماية المجتمع من التطرف والانقسام، ومن ضرورة إعادة تصميم رسالة الدولة السياسية بوضوح، وتقديم وصفة واضحة للمستقبل؛ أين تقف الدولة؟ ما هي رسالتها؟ وأين هي الجهود الحقيقية الثقافية والإعلامية لمواجهة الانقسام الاجتماعي، وأين دور الإعلام المهني ومسؤوليته في مواجهة الخطابات العصابية وإعادة الجميع إلى المنطقة الوسطى؟

كالعادة، استيقظت النخب السياسية النائمة أمس، وبدأت جهود احتواء حالات الغضب والانفعال، وهذا جيد ومهم، لكن المطلوب ألا يكون ذلك موسمياً ولا مؤقتاً، وأن تكون هنالك جهود حقيقية وجبارة من قبل النخب والمثقفين المعتدلين لملء الفراغ الحالي وقطع الطريق أمام النخب المأزومة وحماية البلاد من أي فتنة غير مبررة ولا منطقية.

المفارقة المحزنة، فعلاً، أنّنا في الأردن تجنّبنا – خلال العقود الماضية- تلك الفتن الطائفية والدينية، وكان المجتمع أنموذجاً على التعددية، وغياب تلك النزعات الخطيرة. لكن منذ الربيع العربي والأحداث في سورية، بدأنا نشعر أنّ الأمور تتغير؛ التيار المؤيد لداعش ينمو، والانقسام الفكري المجتمعي بين العلمانيين والليبراليين من جهة والتيار المحافظ يظهر ويزداد ويتعزز، وبدأت المنطقة الوسطى تتقلص كثيراً، مع حالات التجاذب والمعارك الداخلية، بدلاً من الحوار العقلاني الهادف الواعي!

ضربة شديدة على الرأس، ويوم أسود في تاريخنا، بالتأكيد؛ لكن المهم أن يكون ما حدث “نقطة تحوّل” في إدارتنا لخلافاتنا الداخلية، وأن نقطع الطريق عبر الإعلام والمثقفين ورجال الدين والسياسيين على هذا المنهج أو المسار الخطير، كي لا يصبح هذا القاتل ملهماً لغيره من المتطرفين!

اغتيال ناهض منعرج خطر جداً، فإمّا أن نصحو ونعرف أنّنا لسنا محصّنين من الفتن والانزلاقات، إن لم نتعامل بحكمة ووطنية وعقلانية مع الظروف الحالية، وإما أن نترك العنان لغرائزنا ومخاوفنا وعواطفنا تقودنا إلى مزيد من الانقسامات والتجاذبات والاحترابات الداخلية!

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري