حتى النصف الساعة الأخيرة من الانتخابات كانت دائرة عمان الثالثة، هي الدائرة الأقل تصويتاً في الانتخابات، وينافسها في ذلك مناطق في الدائرة الخامسة، أي أنّنا نتحدث عملياً عن “عمان الغربية”!
في المقابل، وبالرغم من ضعف الإقبال على التصويت، عموماً، في عمان مقارنةً بالمحافظات الأخرى، إلاّ أنّ الدوائر الأولى والثانية والرابعة كانت أفضل حالاً، بينما تجاوز عدد المصوتين قبيل إغلاق صناديق الاقتراع ، مليونا و313 ألفا و636 مشاركاً ومشاركة، أي أنّنا تخطينا عملياً الانتخابات السابقة، التي قارب عدد المصوتين فيها على مليون ومائة وخمسين ألفا، وإن كانت نسبة تلك الانتخابات أعلى فلأنّ القياس تمّ على عدد المسجلين، لا على من يحق لهم الاقتراع، كما هي الحال في الانتخابات الحالية.
ثمّة نقاشات واستنتاجات مهمة ستنبني على نتائج الانتخابات الحالية ومؤشراتها ومعطياتها، بالضرورة، وما يزال أمامنا وقت لقراءة تلك النتائج، لكن ما يلفت الانتباه فعلاً، ويشكّل مصدراً للتساؤل والنقاش حالياً هو هذا العزوف الشديد عن الانتخاب في دوائر عمان الغربية، وتحديداً الثالثة، التي يطلق عليها تاريخياً وسياسياً دائرة “الحيتان”، نظراً لقوة المنافسة السياسية فيها.
لو كان تفسير ذلك في انتخابات سابقة هو محدودية التنافس السياسي نظراً لغياب قوى فاعلة، في مقدمتها القوى الإسلامية، احتجاجاً على قانون الانتخاب، فإنّ ما حدث في الانتخابات الراهنة ينفي ذلك تماماً، إذ تغيّر قانون الانتخاب، ونشطت القوى السياسية الفاعلة، من إسلاميين وليبراليين ويساريين، ورأينا مناظرات ساخنة بين المرشحين في هذه الدائرة، ثم تأتي نسبة الاقتراع فيها مخجلة ومحدودة إلى درجة كبيرة!
عندما نتحدث عن عمان الغربية فذلك لا يعني فقط الطبقات الثرية، بل حتى جزء كبير من الطبقة الوسطى الصاعدة، التي كان من المفترض أن يكون لديها اهتمام كبير بالانتخابات ومخرجاتها، لأنّها الأكثر تأثراً بالوضع الاقتصادي والسياسات الاقتصادية القائمة والمتوقعة!
إذا كنا نتحدث عن شعور بعدم جدوى الانتخابات، فإنّ البرلمان هو الطريق الوحيدة للتغيير، ووجود صوت قوي لهذه الطبقة تحت القبة، أفضل من التباكي واللطم خارجها، وإذ كانت الدعوى عدم وجود مرشحين مقنعين فذلك غير صحيح، فهنالك قوائم متنوعة بمشارب أيديولوجية متباينة، ومرشحون شباب ومثقفون وسياسيون لهم مصداقيتهم وسمعتهم.
لكن من الواضح أن شريحة اجتماعية واسعة ضمن هذه الدائرة لم تهتم أصلاً بقراءة قانون الانتخاب، ولا بمتابعة المرشحين وأفكارهم، ولم تحظ العملية الانتخابية برمتها بأي معنى لديها، لذلك وبصراحة فإنّ هذه الكتلة مدعوة بجدية إلى مكاشفة النفس ومعرفة الأسباب الحقيقية لهذا الموقف السلبي غير المبالي!
إلى حين ذلك نعتذر من ناخبي الدائرة الثالثة بأنّ مصطلح دائرة الحيتان لا يمكن أن ينطبق عليهم بعد اليوم، فبمثل هذه النسبة المحدودة من المشاركة وحالة اللا مبالاة لا يمكن الزعم أنّ هذه الدائرة ما تزال باروميتر القوى والحالة الانتخابية، ربما الدائرة الثانية في عمان أو الأولى في الزرقاء أو قصبة السلط أو إربد أو حتى محافظات أخرى كان التنافس السياسي فيها أكثر سخونة وقوة من الدائرة الثالثة!