عروبة الإخباري – نقلت نشرة فريق صندوق النقد الدولي عن تقرير فيرمي الخاص بالعام 2016، أن 6 آلاف لاجئ سوري في الأردن كانوا يعملون بصورة قانونية خلال العام 2014 مقارنةً مع 160 ألف نسمة منهم في الاقتصاد غير الرسمي بما يشكل نسبته 4 %، فيما بلغت نسبة غير القانونيين 96 %.
وبينت النشرة التي صدرت مؤخرا بعنوان “التأثير الاقتصادي للصراعات وأزمة اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أن الأردن؛ كان وما يزال؛ إحدى أكثر الدول تأثراً بالصراعات الدائرة في المنطقة وأزمة اللاجئين على حد سواء.
وأوضحت النشرة أن هذه الصراعات بطأت نموه الاقتصادي بنسبة 1 % تقريباً في العام 2013.
وفي الوقت نفسه، وبصرف النظر عن تباطؤ نمو، تسارع تضخم المملكة الأساسي إلى 4.6 % في العام 2014، صعوداً من 3.4 % في العام 2013، الأمر الذي دفعته الإيجارات في البداية.
وهذا يعكس جزئياً الطلب الإضافي القادم من نسبة اللاجئين الكبيرة واستجابة العرض المحدودة على المدى القصير.
ويمكن أن يشاهد هذا الأمر واقعاً في محافظة المفرق التي تحد سورية مباشرةً؛ إذ ارتفعت الإيجارات بنسبة 68 % بين العامين 2012 و2014، مقارنة بنسبة 6 % فقط في العاصمة عمان (بحسب تقرير صندوق النقد الدولي للعام 2014).
ولم يستطع الأردن، كما هو حال الكثير من دول المنطقة، تجنب العواقب الاقتصادية التجارية الوخيمة للصراعات التي فاضت بها الدول المحيطة.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية وتفاقم الأوضاع في العراق (سوق تصديره الرئيسي)، تأثرت تجارة الأردن بالاضطرابات التي سادت طرق نقل السلع إلى الدولتين، بينما انخفضت صادرات المملكة إلى تركيا وأوروبا أيضاً تبعاً لهذه الاضطرابات.
وهناك أيضاً مشكلة ضغط اللاجئين على التماسك الاجتماعي، فعلى الرغم من أن الأردن رحب في البداية باللاجئين بين الأسر والأصدقاء، إلا أن تدفقهم بصورة هائلة أصبح يتهدد التوازن المجتمعي والطائفي الدقيق للمملكة.
وقد أظهرت دراسة استطلاعية أجريت في العام 2014 أن 80 % تقريباً من الأردنيين عارضوا فكرة استقبال المزيد من اللاجئين.
وعلاوة على ذلك، يمكن للسياسات المتخذة للاستجابة للصراعات أن تحمل آثارا غير متوقعة.
ويبرز أهم الأمثلة على ذلك في سحب علاقات المراسلة البنكية، بمعنى توقف البنوك الدولية عن توفير خدمات الطرف المقابل للمؤسسات المالية.
وقد أمست هذه الممارسة أكثر انتشاراً في الشرق الأوسط بشكل خاص، وذلك كاستجابة فعالة ضد محاولات “داعش” وغيرها من الحركات الإرهابية الأخرى فرض سيطرتها على أنظمة الدفع.
وفي ظل هذه الانسحابات البنكية، انخفضت الأنشطة المصرفية عبر الحدود بشكل كبير في بعض دول المنطقة، لاسيما تدفق التحويلات المالية والتجارة.
ويمكن للعواقب الاقتصادية المحتملة لذلك أن تأتي وخيمة على الأردن؛ حيث تمثل التحويلات المالية أكثر من 10 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وتبعاً لهذه الحقائق، عزز الأردن ولبنان تعاونهما المشترك على الصعيد الوزاري، فضلاً عن زيادتهما التنسيق مع الجهات المانحة ووكالات الأمم المتحدة في التعامل مع ضغوطات أزمة اللاجئين.
وكانت هذه الجهود حجر الأساس للخروج بـ”خطة الاستجابة الأردنية”.
واقترحت نشرة فريق صندوق النقد الدولي، تكثيف المبادرات وتوطيد خطط العمل المشتركة، فضلاً عن توسيع قاعدة الجهات المانحة من أجل تعظيم حجم المساعدات، كتدابير ينبغي اتباعها لوقف تدهور اقتصاد المنطقة ومساعدته على استدراك نفسه ليعاود النمو مرة أخرى.
بواقع الحال، شكلت الصراعات واسعة النطاق تحدياً رئيسياً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا).
فقد شهدت المنطقة، منذ منتصف القرن الماضي تقريباً، صراعات أكثر تواتراً وحدة مما شهدته أي منطقة أخرى في العالم، الأمر الذي أفضى إلى خسائر بشرية كارثية.
وعلى الرغم من ذلك، وبينما تتكثف الصراعات وتواصل انتشارها، تواجه المنطقة في الوقت الراهن تحدياً لم تعهده من قبل، وهو ظهور الجماعات العنيفة المتطرفة (غير التابعة لجهة نظامية)، كتنظيم “داعش” الفاعل سياسياً وعسكرياً، والذي فرض سيطرته على مساحات شاسعة من أراضي الدول التي زاول أعماله فيها.
وهناك أيضاً أزمة اللاجئين الأخيرة، التي فاقت أي أزمة مماثلة منذ الحرب العالمية الثانية من ناحية حجم التأثير في المنطقة، لاسيما وأنها أجهدت الاقتصادات والنظم الاجتماعية عقب حدوثها.
ونظراً للاستقطاب السياسي الكبير والتفاوت الاقتصادي، إلى جانب النمو السكاني السريع في المنطقة، ليس من المرجح أن تتبدد هذه الأزمة في وقت قريب.
لقد تسببت الصراعات في العراق وليبيا وسورية واليمن، إضافةً إلى الخسائر المأساوية في الأرواح والمادة، بحدوث ركود اقتصادي عميق قاد بدوره إلى ارتفاع معدلات التضخم وتفاقم الأوضاع النقدية والمالية، فضلاً عن إعاثته الفساد في المؤسسات المحلية.
وباﻹضافة إلى ذلك، امتدت آثار هذه الصراعات إلى الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتونس وتركيا وغيرها من دول “مينا”. وأصبحت الدول المذكورة، بدرجات متفاوتة، تعاني استضافة الأعداد الهائلة للاجئين وضعف الثقة والأمن، بالإضاقة إلى انخفاض مستوى التماسك الاجتماعي المحلي الذي يقوض بطبيعته نوعية المؤسسات وقدرتها على إنفاذ الإصلاحات الاقتصادية التي تمس الحاجة إليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو “كيف يمكن للسياسات الاقتصادية تخفيف التكاليف الاقتصادية للصراعات والتدفقات الكبيرة للاجئين؟”.
تقترح تجربة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخيرة أن السياسة الفعالة ينبغي أن تركز على حماية المؤسسات الاقتصادية وعلى قدرة الموازنة على تلبية الاحتياجات العامة الأساسية، فضلاً عن استخدام النقد وسعر الصرف لدعم الثقة.
ولكن سياسات من هذا النوع غالباً ما تكون صعبة التنفيذ، الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير غير تقليدية.
ففي ليبيا واليمن، على سبيل المثال، ذهبت البنوك المركزية إلى أبعاد غير اعتيادية لدعم اقتصاداتها.
وعندما تهدأ الصراعات، ستتطلب عمليات إعادة البناء الناجحة مؤسسات تعمل بشكل جيد وأطر الاقتصاد كلية قوية ومرنة لاستيعاب تدفقات رأس المال واستدامة القدرة على تحمل الديون.
وعلى الدول المستضيفة للاجئين أن تتخذ قرارات صعبة فيما يخص الولوج إلى أسواق العمل والبرامج الاجتماعية، بالإضافة إلى تدابير تتعلق بمواطنيها الذين غالباً ما يعانون مشاكل الفقر والبطالة.
ومن أجل كبح اشتعال أعمال العنف مستقبلاً، ينبغي على دول المنطقة أن تسرع إصلاحات النمو الشامل الرامية إلى الحد من عدم المساواة.
وقد دعم الشركاء الخارجيين، بما فيهم صندوق النقد الدولي، جهود الدول الهادفة إلى احتواء هذه التداعيات قدر الإمكان.
وتحظى زيادة المساعدات الإنسانية بالأولوية القصوى من أجل تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان المتضررين، سواء في مناطق النزاع أو في الدول المستضيفة، مثل الأردن ولبنان.
وتتعلق الأولوية الثانية بالمعونة الإنمائية المخصصة للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الصمود الاقتصادي والاجتماعي على نطاق أوسع عبر منطقة “مينا”.
لقد تم تكثيف الجهود الرامية إلى تنظيم استجابة دولية أوسع وأعمق مؤخراً، كما وأصبحت تركز أكثر على تعبئة تمويل إضافي.
وينبغي لهذا التمويل الإضافي أن يتخذ شكل المنح والقروض الميسرة قدر الإمكان لتجنب إثقال كاهل الدول غير القادرة على إدامة ديون إضافية.
ويدعم صندوق النقد الدولي بدوره هذه الجهود، وذلك عبر المشورة السياسية والتمويل الجيد وبناء القدرات.
تأثير الصراعات على اللاجئين
أصبح الكثيرون من الذين فروا من أعمال العنف في بلادهم في وضع أسوأ بكثير في الدول المستضيفة بواقع الحال، لاسيما عقب خسارة ممتلكاتهم واضطرارهم إلى اتباع أنظمة الإعالة المتاحة.
وهذا يعود في الغالب إلى القيود المفروضة على حركتهم من جهة، ومحدودية وصولهم إلى تصاريح العمل وإلى البنية التحتية الاجتماعية، فضلاً عن فرص الالتحاق بالمدارس المنخفضة من جهة أخرى.
وتقترح نشرة صندوق النقد الدولي الأخيرة أن دعم المانحين هو الأكثر فعالية عندما يكون منسقاً بشكل جيد إقليمياً.
فمن خلال إشراك مجموعة كبيرة من الجهات المانحة، يمكن للتعاون والتنسيق الإقليمي أن يساعد في حشد الدعم المالي بشكل يتناسب مع احتياجات منطقة “مينا” الماسة إلى المصادر المراد استخدامها في إعادة البناء والتنمية.
وعلاوة على ذلك، يمكن لدعم الجهات المانحة أن يوجه الأولوية نحو انخراط الدول المستضيفة في المنافسة على صعيد الاحتياجات ومعدلات الاستضافة غير الكفؤ (أو على الأقل فيما يخص تيسير تبادل آخر التحديثات حول النوايا المتعلقة بأحجام المساعدات ومواعيد توزيعها).
ومن جهة أخرى، سوف توفر المبادرات الإقليمية للاقتصادات المساحة المطلوبة لمعالجة مشاكل السياسة التي تعوق العديد من دول المنطقة، خاصة في مجالات التكامل التجاري والإدارة الاقتصادية.
ويبرز أحد الأمثلة المشجعة الأخيرة على ذلك في “اتفاقية شراكة دوفيل حول الإدارة الاقتصادية”، والتي تم توقيعها بين جميع الدول العربية التي تمر في مرحلة انتقالية خلال شهر أيار (مايو) 2015، وهي تشكل إطار عمل فعالا في الترويج لأهداف السياسات الرئيسية الرامية إلى دعم الإدارة الجيدة وتحسين مناخ الأعمال.
وقد بينت النشرة أيضاً أن إضفاء طابع الأولوية الفعال، إلى جانب تعاقب المشاريع الاستثمارية وجهود الإصلاحات والمساعدة في بناء القدرات، بين وكالات التنفيذ المتعددة والحكومات المستضيفة هي أمور ساعدت وتساعد في معالجة قيود استقبال المؤسسات للاجئين، بالإضافة إلى تجنب الازدواجية في البرامج.
وعلاوة على ذلك، كما تم تسليط الضوء عليه في السابق، تتوقف إعادة بناء الاقتصادات المرهقة وتحقيق النمو الشامل على سلطات الدولة وشركائها في الخارج، وبطبيعة التقائهم حول إطار اقتصاد كلي يتمتع بالمصداقية.
وينبغي لذلك تحديد مسار دائم للعجوزات المالية والخارجية، وكذلك معدلات الدين، من أجل إرساء مشاركة كل من صناع القرار والجهات المانحة على حد سواء.