مؤسف ما نشره المعارض ليث شبيلات عن الزميلة زليخة أبو ريشة في صفحته على موقع “فيسبوك”، لاسيما أن ما شاركه من صديق له، لا يقوم على نقد موضوعي لكل ما تتداوله الزميلة من أفكار خلافية، بل جاء “المنشور” (البوست) بذاءة من الشتائم والأوصاف غير المقبولة نهائياً.
وذاك “المنشور” الذي استثار جدلا طويلا لم يسئ للكاتبة أبو ريشة فحسب، بل كذلك للمرأة عموماً وللمجتمع ككل؛ لأنه افتقر للخُلق، ناهيك عن بعده عن الحقيقة. فصاحب الرسالة أو “البوست” الأصلي يعيش هناك في بلاد الغرب، أو الكفر بتوصيف البعض! حيث يربي أولاده على الحياة المدنية، مع ضمان تلقيهم أفضل صنوف العلم.
لكن هذا المغترب ذاته يتوقف فجأة الآن عند تغيير المناهج الأردنية، فقط ليقذف تهماً غريبة من قبيل أن المناهج المعدلة قد تم تفصيلها فقط لضمان راحة الصهاينة! ومن قال له إن هؤلاء قلقون منا اليوم؟! كما يؤكد أنها مناهج ستُغرق أجيالا منا في الجهل والأمية! لكن هل الكتب الموجودة ما قبل التغييرات والتعديلات خرّجت جيلا عالما مؤهلا ممسكا بعلم مفيد، ومتمسكا بالثوابت وغير مختَرق من كل أدوات تضييع الأجيال؟!
بصراحة، لا يهم ما كتب ذاك المغترب، إنما المهم ما نقله المعارض المعروف شبيلات، وبما شكّل صدمة لكثيرين ممن يقدرونه ويحترمونه؛ إذ كيف ينسجم أن تكون المعارضة محتقِرةً للمرأة، وترضى بهذا الخطاب الإقصائي البعيد تماماً عن المنطق ومبدأ الحوار وقبول الآخر.
لاحقا، اعتذر أبو فرحان عن الإساءة للزميلة، وسحب “المنشور”، تأكيدا على رفضه لما كُتب فيه من توصيفات لا ترقى عن مستوى الردح السياسي الفارغ من المضمون والمفتقر لكل حجة.
لكن اللافت بشأن “المنشور”، قبل الحذف وبعده مع الاعتذار، هو ما استجلبه من تعليقات عليه، سواء كانت مؤيدة أو معارضة. فهي تعليقات تعكس ما وصلت إليه حالنا من رفض للآخر، ومعه طبعاً انحدار مستوى الحوار -هذا إن كان يمكن وصفه بالحوار أصلاً- إلى درجات منحطة، باستخدام ألفاظ نابية. بل وغادر البعض صفحة شبيلات احتجاجا على اعتذاره!
هكذا، فإن من اتفق مع أبو فرحان أيّده بشتم الآخر، ومن اختلف معه ورفض حتى ما كتب، شتمه وغادر صفحته. ولتظهر حقيقة كثير منا من دون تجمّل كاذب، وهي أننا فقيرون بالتسامح وقبول الآخر.
الظاهر أن المعارضة الأردنية، عموماً، تحتاج دورات تدريب على قبول الآخر وإجادة لغة الحوار لا الردح، حتى نرتقي بالمجتمعات ولا نمزقها. إذ ترانا نسمع صراخ معارض آخر يشتم الدولة المدنية وكل أسسها، ويسعى إلى شيطنة الفكرة عبر وصفها بالإلحاد! وفي ذلك تشويه مقصود، كونه يخاطب غرائز الناس وقناعاتهم بتوصيفات غير موضوعية. وهذا المعارض ذاته الذي يتحالف مع آخرين من غير حزبه، يعلن رفض حلفائه، وتراه يشتم الفن والموسيقى ويلعنهما لأنهما برأيه حرام بالمطلق. وهو بذلك يقدم صورة أخرى لمعارضة تريد أن تلبسنا جميعا ثوبا واحدا.
سنبقى، للأسف، مجتمعات ممزقة، طالما لم نقبل بعضنا. وسنبقى عاجزين عن علاج أوجاعنا وحل مشاكلنا، طالما أنّ فئة ليست قليلة بيننا، إن لم تكن الأغلبية، تنظر إلى المرأة باعتبارها مرضاً مجتمعياً وأساس كل بلاء! وسيبقى التراجع سمة لمجتمعات لا تقدر على صون حرية المختلف بجنسه أو لونه أو دينه. وما يزال أمامنا الكثير من القضايا التي يتوجب أن يحسمها المجتمع بوعي حقيقي، لا بآخر مسلوب لطائفة أو فكر ضيق.
التنوع ضرورة. والنقاش البنّاء المفيد القائم على وجهات النظر المدعومة بالحقائق والمنطق -وليس الشتائم والتهم الباطلة- هو أساس تطور المجتمعات. ووفقاً لذلك، يبدو أن مجتمعنا؛ بإمكاناته المحدودة وثقافته الديمقراطية الضحلة، ما يزال يحتاج عملا طويلا حتى يتطور ويرتقي إلى مستوى جديد من الفكر والثقافة.
عوداً على بدء، فكم كنت أتمنى على أبو فرحان التمعّن في المناهج والكتب المدرسية الحالية، ليدرك حجم عللها؛ فيقف في جبهة تعديلها وتطويرها، وليس العكس.