على مقربة من معبد الأسود المجنحة داخل محمية البترا، وفي بيت شعر نصب في الجهة الغربية منها، تحلّق مجموعة من الشباب “البدول” (سكان الكهوف)، والشابات وكبار السن من سكان المنطقة، بالإضافة إلى أجانب ليشربوا الشاي ويتجاذبوا أطراف الحديث فيما بينهم.
جمعت الجلسة ايمان، خريجة اللغة الانجليزية والمعلمة السابقة، والخمسينيتين أم تيسير وأم ماهر، وأحمد الثلاثيني الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة رغم أنه لم يكمل تعليمه الابتدائي، وهناك حليمة، خريجة الجامعة حديثا، وشاكر، الذي كان يحمل دلوا من الطين وهناك ماريا وصوفيا الأميركيتان اللتان تتحدثان العربية بطلاقة.
عامل مشترك رئيسي كان يجمع هؤلاء “المختلفين”، وهو حبهم لسحر البترا، و”فخرهم ورضاهم” بالعمل في هذا المكان الساحر.
ويعمل هؤلاء جميعا ضمن مشروع “معبد الأسود المجنحة لإدارة المصادر التراثية” في محمية البترا، والذي يديره المركز الأميركي للأبحاث، وتشرف عليه شركة “سيلا” للحفاظ على التراث بتمويل مع وكالة الإنماء الأميركية usaid تحت برنامج تدعمه الوكالة هو برنامج “استدامة الإرث الثقافي بمشاركة المجتمعات المحلية”.
ويركز برنامج “استدامة الارث الثقافي” على اعادة وضع مخططات ورسومات واجراء بعض اعمال الصيانة والترميم وتقوية الجدران داخل المعبد وتجميع وتوثيق جميع حجارة المعبد المحيطة به من تاجيات حجرية ورخامية، وهو مشروع يعمل مع المجتمعات المحلية من خلال تأسيس فرق محلية قادرة على الحفاظ على المواقع المستهدفة وإدارتها والترويج لها، وتبلغ الكلفة الإجمالية للبرنامج نحو 4.2 مليون دولار.
ايمان عبد السلام كانت من بين من استفادوا من برنامج “استدامة الإرث الثقافي بمشاركة المجتمعات المحلية”، حيث حصلت على تمويل من الوكالة الأميركية، وقامت هي وأصدقاء لها بتأسيس شركة غير ربحية هي شركة “سيلا” هدفها ترميم وتوثيق واعادة تأهيل “المعبد” من خلال إشراك المجتمع المحلي في المشروع.
حصلت إيمان على تمويل من الوكالة العام الماضي (2015) لتستكمل مشروعا كان قد بدأه أصلا المركز الأميركي للأبحاث الشرقية.
إيمان بدأت حياتها العملية كمعلمة لغة انجليزية في إحدى المدارس، ثمّ انتقلت للعمل في المركز الأميركي للأبحاث كموظفة إدارية ومدخلة بيانات، ثمّ انتقلت الى الميدان؛ حيث استفادت من خبرات زملاء لها في المركز، والذين دربوها على أساليب وخطوات التوثيق من رسم وتصوير وغيرها.
انخرطت إيمان في المكان الذي أحبته، وأحبت الشعور بأن يكون لها هدف أن يكون لها “فائدة” في المجتمع، وأن يكون لديها رسالة وطنية من أجل بلدها تتمثل بتوثيق تاريخه.
تقول ايمان ” حب البترا.. أنا سعيدة في عملي.. سعيدة أنني شخص مفيد لبلده ومجتمعه”، وتضيف “أنني أساهم في المحافظة على تاريخ وحضارة بلدي”.
ارتباط ايمان بالمكان جاء منذ الطفولة؛ حيث تروي أنّ والدها جاء من فلسطين في الثمانينيات وكان مدرسا في وادي موسى، وفي عام 1984 (حيث كان عمرها عامين) جلب العائلة الى البترا حيث قطنت في البداية في كهف، وفي العام 1985 سكنت العائلة في سكن قدمته الدولة وبقيت في المنطقة إلى اليوم.
تزوجت إيمان بعد أن أنهت المدرسة مباشرة، وأكملت دراستها في جامعة الحسين بن طلال بتخصص اللغة الإنجليزية، بعد ذلك بفترة توفي زوجها تاركا خلفه “حسام” و”ماريا”.
وتقول: “عملت كمعلمة، لكنني لم أجد نفسي في هذه المهنة، ثم انتقلت للعمل في المركز الأميركي للأبحاث، واليوم أعمل مع الوكالة الأميركية.
وتضيف إيمان “انني اليوم سعيدة بما أصنع..تحسنت حياتي منذ أن عملت في هذا المجال، أحس بأنني مفيدة لكل من حولي لأسرتي ومجتمعي وبلدي، انني أستمتع بعملي، وتخطط إيمان لتوسيع مشروعها مستقبلا ليشمل مواقع أخرى في البترا والأردن”.
وكانت أم تيسير وأم ماهر من بين من استفادوا من هذا المشروع؛ حيث تعملان في قص وخياطة أكياس من قماش معين يستخدم في حفظ الحجارة وهما تتلقيان راتبا شهريا يتجاوز الـ350 دينارا.
أحمد كان من بين المستفيدين أيضا من هذا المشروع؛ حيث أنه يعمل بمنصب “أمين موقع” ومؤسس لشركة “سيلا” مع ايمان، وما يثير الاهتمام بأحمد أنه لم يكمل تعليمه الجامعي، لكنه كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة.
ويؤكد أحمد أنه سعيد بعمله في هذا المشروع الذي “يساهم في توثيق وتخليد مدينة آبائه وأجداده”.
ويعمل في المشروع بين 14 إلى 20 شخصا من أبناء المنطقة، بحسب الحاجة، ويقوم المشروع بتدريب شباب وتزويدهم بالخبرة المهنية في المواضيع المتعلقة بالمحافظة على التراث وخصوصا توثيق الآثار.الغد