كتابة عدل الرياض من أكثر الدوائر الحكومية تنظيماً ومرونة ولباقة في استقبال المراجع وسرعة إنجاز معاملاته، هذا ما كتبته في تغريدات سابقة في حسابي في «تويتر».
رأيي هذا لم يُبنَ على مراجعة واحدة، بل تكون من خلال زيارات متكررة لهم لما يتطلبه عملي من إصدار وكالات متعددة، لذلك استغربت ما حدث خلال الأسبوع الماضي، إذ فوجئت بعطل في البصمة، وورقة على شباك قسم المراجعة النسائية كُتب عليها (نظام البصمة عطلان لعمل وكالة نرجو إحضار معرفين رجال)!
وطبعاً هذا العطل الحاصل سبب ازدحاماً في القسم النسائي، وسخط من قبلهن لأسباب كثيرة، منهن كبيرة السن أو المريضة التي لا تستطيع القدوم مرة أخرى، ومنهن من استأذنت من دوامها لعمل وكالتها وتفاجأت بهذه العقبة غير المتوقعة، وأسباب كثيرة جعلت النساء في تخبط. والغريب أن الموظف ترك القسم واختفى من دون إجابة تفتح باب حلول بديلة لهن!
استغربت التصرف لكنني عذرته، لأني أشفق على العاملين والعاملات المعنيين بشؤون المرأة ولا ألومهم لعدم مرونة القوانين والصلاحيات، فيتحملون السياط والسخط من كل المراجعات وليس بيدهم حل ولا ربط، ولا يملكون إلا ابتسامة وكلمات منمقة تحاول تخفيف وقع المشكلة والبحث عن حلول مستحيلة خارج الأسوار والأنظمة والقوانين.
في ظل هذه الفوضى كان الحل الحاضر الذي اقترحته بعض النسوة – استهزاءً وربما حقيقة – أنه أسهل من البحث عن معرف يكون بعيداً عن متناول الحضور هو الاتفاق مع أي شاب سعودي (سكيورتي أو سائق أو موظف بمقابل أو بغير مقابل) ليكون معرفاً، فالنظام كان إحضار معرفين إن لم يكونا من المحارم ومعرف واحد إذا كان محرماً!
وهنا أتساءل كما تساءلت كل النسوة الساخطات من الوضع.. ما دور البطاقة المدنية في مثل هذا الموقف؟ أهي مجرد كرت بلاستيكي ضعيف يقف عاجزاً أمام أن يكون وثيقة رسمية تحفظ للمرأة هويتها، وأنها أكذب من رجل تأتي به لحاجة التعريف ليقول إنها فلانة ويشهد على ذلك من دون سابق معرفة؟
سؤال آخر.. لمثل هذه المواقف وغيرها ألا يجدر بأقسام بنات حواء أن تكون النساء خلف مكاتبها لمطابقة صورة المراجعة مع شخصيتها، وبذلك نضمن الصدق وعدم التلاعب أو التعريف الكاذب؟ والسؤال الأهم.. إلى متى والمرأة لا يسهل لها أمر إن لم يكن خلفه رجل في الغالب يعرف مدى حاجتها فيستغل ذلك إلا من هدى الله وأصلح! شهادة حق أن وزارة العدل تفعل الكثير لتسهيل أمور النساء، ولكن ترجمة القرار على الواقع يتأخر كثيراً وهذا لأسباب خارجة عن سيطرة الموظف أو المراجع، وهنا يجدر بنا أن نقول حتى متى ونحن معتقلات ورهائن خلف قضبان الولاية والبصمة والمعرف والوكالة وكأننا بلا كيان مستقل يعبر عن أنفسنا. في الخارج جواز السفر يخبرهم من أنا ويثبت لهم شرعيتي وقانونية كل ما أفعل، لكن في الداخل لا جواز السفر ولا البطاقة المدنية ولا بطاقة العائلة تخبر المسؤولين من أكون وهذا هو مربط الفرس، هويتنا كنساء محتجبة أو منقبة أو مغطاة مادياً ومعنوياً وإنسانياً، وهذا ما يجعل بعض الأصوات الداخلية قبل الخارجية تتساءل وتقول لماذا المرأة السعودية وحدها هكذا؟
نحن النساء لسنا بدعاً من العالم وتعدادنا السكاني يخبر أننا الأغلبية ولا بد لصوت الأغلبية أن يظهر ويجد من يستمع له ويعترف به من دون الحاجة إلى وسيط قد يخطئ أو يصيب وكلٌ على حسب ضميره..! بنظرة سريعة لواقع النساء في دول الخليج نجد أنهن يسبقن المرأة السعودية بمراحل في التمتع بحقوق تعترف بها كامرأة راشدة مسؤولة ينظر لها كعضو مستقل فعال بعيداً عن شهادة رجل يعرف بها.. فلماذا؟ على رغم أن دول الخليج كلها مبنية على أساس اجتماعي وفكري وانتماء عقائدي واحد، فما السبب على رغم أنهن لسن مثلها تعداداً! لذا ما زلنا نأمل كثيراً بإيجاد قوانين خاصة بالمرأة السعودية من دون توزيع شؤونها وحاجاتها وإراقة دم شؤونها على أرصفة الحاجة لولي أو معرف أو وكيل. ولنضع بعين الاعتبار دائماً أن مجتمعاً يمنح المرأة كينونتها سيجد الخير الكثير في كل شؤون واتجاهات أفراده حكومة ورجالاً.