ماذا ننتظر؟ لا وقت لدينا/ جمانة غنيمات

في منتهى الأهمية تلك الرسائل التي بعثتها جلالة الملكة رانيا العبدالله لتطوير العملية التعليمية في الأردن، وأبرزها حقيقة أن لا وقت لدينا لتأخير إصلاح الاختلالات التي تعتري هذه العملية برمتها. إذ قالت جلالتها بالحرف، أول من أمس: “لا يوجد وقت نضيعه، فكل سنة تضيع تتضرر فئة كبيرة من طلابنا. وبالتالي، علينا السير بسرعة”.

المطلوب أن يلتفت جميع المسؤولين والمعنيين، على اختلاف مواقعهم ودرجاتهم الوظيفية، إلى التحذير الذي أطلقته الملكة، لنتلافى قدر الإمكان النتائج الكارثية للتشوهات العميقة التي يعانيها قطاع التعليم، فننقذ أجيالاً من السوء الذي بلغه، ومن ذلك تدني المستوى المعرفي للطلبة، وغياب التفكير النقدي والبحثي عن أدوات تعليمهم، بما أدى إلى تأخرهم أشواطاً عن مستوى طلبة دول كثيرة صارت تعتمد أنظمة تعليم متقدمة ومنافسة، تدرك الاحتياجات الحقيقية للخريجين.

السرعة مطلوبة في معالجة مرض العملية الذي نعرف تشخيصه تماما؛ لأن أي تأجيل يعني ضياع شباب وصبايا. إذ لا يتمكنون بعد 12 عاما من “التعليم” من الحصول على المطلوب من أدوات تسلحهم للمنافسة، وفتح أبواب الفرص أمامهم.

لا يجوز أن نبقى نسير كالسلحفاة؛ فنقبع في ذيل الركب بسبب بطء لا يواكب أحدث التطورات الحاصلة في التعليم عالمياً؛ مضموناً وأدوات، وبما يعني حتماً ضعف قدرة الأردن على استثمار الفرصة السكانية التي ترتكز على الأجيال المدرسية الحالية بدرجة كبيرة، وبالنتيجة تقليص فرص تحقيق التنمية المنشودة.

الملكة حددت المحاور المهمة لإحداث الفرق المطلوب، وليس المأمول فحسب؛ بدءا من المناهج، كما المعلم الذي توليه جلالتها والمؤسسات التابعة لها اهتماما كبيرا، إدراكاً لدوره الاستراتيجي في معالجة التشوهات وتقويم العملية التربوية.

وليست هذه هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تقدم فيها الملكة ملاحظات حول التعليم، وما ينبغي فعله من قبل جميع الأطراف، وعلى رأسهم وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين؛ لناحية تعديل أدائهم، وهم الأعلم بالمشاكل الكارثية التي يعاني منها النظام التعليمي. والجميع شركاء ومسؤولون عن إصلاح التعليم، لاستدراك التراجع الحاصل لأكثر من سبب، وأهمها تأخر الاعتراف بالمشكل، منطلقاً لنتقدم خطوة للأمام بحلول حديثة، وليس تلك التي أكل عليها الدهر وشرب.

حديث جلالتها الأحدث، أول من أمس، إلى مجموعة من التربويين، جاء في جلسة نقاشية نظمتها لجنة تنمية الموارد البشرية وأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين، وتمت خلالها مناقشة كل ما يتعلق بتحديات التعليم، كما تنمية الطفولة المبكرة لأهميتها في وضع أساس متين لكل المراحل اللاحقة. وكذلك مناقشة التعليم المهني.

طبعاً، المناهج كانت حاضرة، باعتبارها المحور المهم في إصلاح التعليم، والتي حصلت بشأنها معارك طويلة، بغية تخليصها من تشوهات ونقاط ضعف. لكنها ما تزال تحتاج إلى عملية إصلاح طويلة ومضنية، لأن التعديلات التي أدخلت عليها حتى الآن، ومع عدم التقليل من أهميتها، ما تزال غير كافية لخلق طالب وطالبة مؤهلين، بعقلية متّقدة بعيدا عن التلقين الفارغ غير المجدي.

تأخرنا كثيرا، ولا وقت لمزيد من التأخير. كما لا وقت للدخول في معارك جانبية، فالهدف هو إنقاذ نظام التعليم، بأن نضخ فيه الحياة ليعود مؤهلا لإنتاج جيل مسلح بكل المهارات وعلوم المعرفة الضرورية. فكلف المماطلة، كما صار يعرف الجميع، خطيرة؛ تدفع ثمنها أجيال هي أمانة في أعناقنا كافة، وإن كان المعلم هو من يتقدم الصفوف. وكما قالت الملكة رانيا: “التغيير لن يكون في يوم وليلة ولكن التأجيل سيكون على حساب أجيال الأردن”. وليس ثمة حديث أكثر صراحة من قول جلالتها هذا.

منذ سنوات وهناك كثير ممن يقرون بوجود ثغرات في التعليم. لكن لم توجد مواجهة صريحة لهذا الموضوع. بل إن التيار الرافض لإصلاح القطاع خلق روايات غير حقيقية تجاه من يطالب بذلك، في مجافاة للحقيقة؛ فالمطلوب ببساطة ووضوح، نظام تعليمي متكامل، يؤدي إلى تمكين أبنائنا بعلم مفيد نافع منتج.

ومن ثَمّ، على الجميع؛ مؤسسات رسمية وأهلية، كما إعلاماً، أن يكونوا في جبهة إصلاح التعليم. وعلى ذوي الطلبة خصوصاً أن يكونوا أساسا في الدعوة لهذا الإصلاح، كونه مصلحة لأبنائهم. فالموجود الآن يكفل حمل أولادهم شهادات، لكنها بالتأكيد غير ذات جدوى. فماذا ننتظر؟

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري