يصعب تفسير تعدد قوائم مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي وحلفائهم في الدائرة الواحدة، إلا أن تكون الخطة الحقيقية للانتخابات هي أن مرشحا واحدا من كل كتلة سوف يأخذ أصوات المؤيدين دون غيره من زملائه. وإذا كان هذا الاستنتاج صحيحا، فإنها فكرة تلحق ضررا واضحا (وربما مقصودا) بالحالة السياسية والاجتماعية. سوى ذلك، فإن الحزب كأنه يقول لنا إنه يريد نجاح أكثر من كتلة؛ يعني إذا كان للدائرة 5 مقاعد، فإن “جبهة العمل الإسلامي” يريد إنجاح 15 مرشحا. وهنا تكون المصيبة أعظم.
المرشحون المشاركون في هذا التحالف والترشيح على أساس أكثر من قائمة، يدركون بالتأكيد أنهم يشاركون في مغامرة لا أمل فيها سوى مؤيديهم الذين سوف ينتخبونهم لأسباب متعلقة بهم وليس بالكتلة ولا التحالف، لأنهم لا بد فاهمون أن مؤيدي “جبهة العمل الإسلامي” سوف يركزون على مرشح واحد. وربما تكون كتل بأكملها مجرد شراكة وهمية.
الكارثة لن تقف عند حدود المشاركة “السيكوباثية” (بمعنى الإضرار وعدم المسؤولية) للحزب، ولكنها تستفز جميع المكونات السياسية والاجتماعية في البلد، وتظهر عدم جدية إيجابية في المشاركة السياسية والعامة، بل هي مشاركة تضرّ بالعقد الاجتماعي المنظم للعمليات والعلاقات السياسية والاجتماعية.
يمكن الردّ على هذه المقولة بأن تعدد القوائم في الدائرة الواحدة هي الفرصة الممكنة عمليا للحصول على أكثر من مقعد، لأن قانون الانتخاب نفسه (السيكوباثي أيضا) يجعل الحصول على أكثر من مقعد للقائمة عملية صعبة جدا، ويمكن الحصول على أكثر من مقعد بأكثر من قائمة بسهولة أكثر من التقدم بقائمة واحدة. وهو ردّ صحيح. لكن ليس مقبولا أخلاقيا وسياسيا حتى في هذه الحالة، التقدم بأكثر من قائمة، لأن في ذلك سوء نية واضحا ومعلنا تجاه الشركاء في القوائم الانتخابية. فحزب جبهة العمل الإسلامي يقول بلسان الحال إن خطته ستكون هي التركيز على مرشح واحد في القائمة، ويمكن بالإضافة إليه التصويت لمرشحين من النساء والمسيحيين والشركس ممن لا يؤثرون على فرص نجاح المرشح المسلم الذي سوف تتجه نحوه أصوات الحزب ومؤيديه. ويكاد يبدو واضحا من هم المرشحون الذين يسعى “جبهة العمل الإسلامي” بالفعل إلى إنجاحهم في الانتخابات. ويبدو واضحا أيضا أن القوائم ليست شراكة حقيقية؛ هي بالنسبة للحزب ليست سوى تقديم فرص مجانية بلا التزام ولا معنى للشركاء، وهي كذلك بالنسبة للشركاء مغامرة غير ضارة، أو لعلها تمنح نجاحا بالمصادفة. وبالطبع، فإن لدى الناس جميعهم (تقريبا) نزعة إلى الاعتقاد بالتميز والفرص الكبيرة المستقلة الخاصة بكل واحد، وهذا أحد أهم أسباب النجاح التجاري لعمليات القرعة واليانصيب!
ليس مقبولا بالطبع الاحتجاج بالأخطاء والثغرات في قانون الانتخاب؛ إذ تبقى دائما وظيفة الإصلاحيين هي التأثير باتجاه الإصلاح وما يخدمه، وليس الاستدراج إلى لعبة المكاسب السياسية المعزولة عن جوهر رسالة الإصلاح.