تؤكد المعطيات أن العالم العربي، عموماً، لن يقدر على استثمار فرصته السكانية. بل ووفق الظاهر، فإن هذه الفرصة ستُهدر تماماً، كما أهدر العرب كثيراً غيرها.
هذه النتيجة تستند إلى الوقائع السياسية والأمنية، لاسيما الحروب والنزاعات الدائرة في المنطقة، كما الأحوال الاقتصادية العامة، إضافة إلى ما يرتبط بكل ذلك من معطيات عالمية وإقليمية. إذ طالما أننا مشغولون بالحروب، فلن يكون لدينا وقت للعمل وإنشاء الاستثمارات بالقدر اللازم لتوظيف طاقات الشباب وتشغيلهم بالشكل الأمثل، ضمن رؤية واضحة لتنمية مستدامة.
يُقدر عدد سكان العالم العربي، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، بحوالي 385 مليون نسمة، أي نحو 5.3 % من سكان العالم. ويتوقع أن يصل العدد إلى 488 مليونا بحلول العام 2030. فيما يشكل الشباب العرب من الفئة العمرية 15-24 عاما حوالي خُمس السكان.
ووفقا للمصدر ذاته، فقد ارتفعت نسبة الشباب ضمن هذه الفئة، وهم الذين يمثلون وقود الإنتاج والعمل في وطننا العربي، من 49 مليون شاب في العام 1995 إلى 70 مليونا في العام 2015، بينما ازدادت نسبة من هم في سن العمل لتصل إلى 63.4 % من السكان، وانخفضت معدلات الإعالة العمرية لتصل إلى حوالي 6 معالين لكل 10 أشخاص في سن العمل.
لكن المشكلة الحقيقية أن حوالي ثلث الشباب، بكل طاقاتهم، معطل، ما يجسد بداهة مكمن الخطر! وهي، للأسف، حالة عامة على المستوى العربي. إذ لا تجد دولة، باستثناء النفطية، إلا وتعاني من المشكلات ذاتها، حيث تصل نسبة البطالة بين الشباب العربي إلى حوالي 28 % في المشرق، و31 % في المغرب العربي، وهي النسبة الأعلى في العالم، وتطال 42 % من الشابات مقابل 23 % من الشبان.
إذن، خطورة النسب السابقة أنها تضرب الشريحة الأهم لاستقرار المجتمعات وبنائها، وتعطل قدرتهم على الإنجاز والعطاء اقتصاديا ابتداء. كما أن المناخ السياسي العام في المجتمعات العربية محبط أيضاً لهذه الفئة؛ إذ لا توجد نوافذ للمشاركة في الحياة العامة والمساهمة في صناعة القرار، في الغالبية العظمى من هذه المجتمعات.
ضياع الفرصة السكانية يعني حكما الفشل في استغلال الطاقات الكبيرة في مجتمعاتنا الفتية.
فرغم الحديث الكثير عن استغلال طاقات الشباب، إلا أن المحددات أكبر، والخلافات السياسية، ضمن أخرى عديدة، تقتل الأمل بعمل عربي مشترك يحل مشكلات هذه الفئة. بل ونجد أنفسنا نفقد شبابنا في الحروب والاقتتال، إذ صاروا وقود الثورات والحروب، بدل أن يكونوا وقود الإنتاجية والبناء.
فعلى عكس الأمل، نجد الشباب العربي غارقا في البطالة والفقر. وقد مر يومهم “يوم الشباب” العالمي، في 12 آب (أغسطس) الحالي، وكثير منهم -في أفضل الأحوال- يقفون على حواف الأمل، بعد أن سقط بعضهم في مستنقع التطرف وسواه من مظاهر الخروج عن الطريق القويمة، فيما يصارع الآخرون للثبات على الحافة، ولا ندري متى سيسقطون!
صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يعمل مع حكومات المنطقة العربية لتعزيز مشاركة الشباب في السلام والأمن، ويشجع على مشاركتهم في الحياة المدنية، يقول إن الدراسات تشير إلى أن شبابنا يشاركون في الاحتجاجات والتظاهرات أكثر مما يشاركون في المجموعات المدنية وفي الانتخابات، ترى لماذا؟
أغلب الظن أن السبب يكمن في أن كل ما هو متاح لا يقنعهم، ولم يتمكن من وعيهم بشكل يقودهم إلى إحداث التغيير السلمي. وربما لأن العدالة غائبة وتعليمهم متدن، والخدمات المقدمة لهم أقل من الطموح. وأخطر من ذلك عدم إيمان شبابنا بالأدوات العربية الرسمية.
بالمناسبة، الشباب في كل بلد، من شرق الوطن العربي إلى غربه، لا يختلفون كثيرا في إحباطهم، حتى لو اختلفت القشور التي تخفي ذلك.