عروبة الإخباري-انسابت أنغام الموسيقار طارق الناصر وفرقته في أرجاء المدرج الروماني الذي ترقرقت حجارته لتعانق خفقات الجمهور، وفاضت مع صعيد ترانيم الحناجر سيلا لينبض قاع المدينة من تجليات الشوق.
وحاكت موسيقا الناصر التي تنكّهت بالموروث، في ليلة موسيقية استثنائية، أمس الجمعة في فضاءات “المدرج”، ليل عمان المطرز بنجوم سمائها، ورجع حنين التلاقي، لجمهور زاد على 4 آلاف شخص سكب نضيدا من المحبة والانسجام والتجلي الحالم، كأنها أمواج شفيفة تتداعى بألق في ليلة من التصوف ترتقي فيها للسمو.
واستهلت الليلة، التي ارخى الموسيقار الناصر، جدائلها لتنعتق في فضائها العماني وتراقص السمار وتمزج ما بين الحداثة وقوالب الجاز والموروث، بمقطوعة “تمنى” التي جاءت بإيقاع تشحذ فيه القلوب المتوثبة لتنسل الآهات مع انغام مقطوعة “روحي يا روحي” واصوات المجموعة الغنائية، المصاحبة للفرقة المكونة من ما يزيد على 30 عضوا، قبل ان تستنهض الموروث في مقطوعة “شاميلي” المغناة بإيقاعها السريع وبحضور بارز لآلة “القربة” الموسيقية الفلكلورية التي صاغ الحان العازف ابراهيم الصقار.
الليلة الموسيقية المتشحة بالغناء والتي حضرتها وزيرة السياحة والاثار لينا عناب، تماهت في مقطوعاتها المتواترة “جرش” التي تجلت فيها “انفاس” الالات الموسيقية النفخية و”طيب الفال” باصوات “المجموعة”، مع حالة الفرح التي كللت سماء “قاع المدينة” من بؤرة مدرجها المتلألئ بنسيج من خيوط النور وشعاعات الاضاءة وسلالم الالحان وصعيد الاهات.
وفي تناغم للارواح المنبعثة من وقع جماليات الليلة الموسيقية التي تتكلل بمقطوعة “عمان الجديدة” التي تحاكي عشق السمار الابدي مع محبوبتهم عمان: المكان والناس والزمان، لتشتبك الانغام مصاحبة لغناء المجموعة في مقطوعة “شو يعني لو غنينا” مع ذكريات الطفولة واحلامها وكأنها تحيلنا الى مدارج الصبا وليالي المحبين المعشقة ببيوتات عمان الملتحفة بالراسيات.
الليلة الموسيقية التي استحضرت في جزء رئيس منها الموروث، تراقصت فيها أنامل العازف فاروق نصراوي على آلة “الشبيبة” النفخية الموسيقية الشعبية، لتنبعث انغامها الشجية على وقع “اغنية يا طير يا طاير” مستدعية فرقة “صوت الاردن” للفنون الشعبية القادمة من مدينة الرمثا والتي انسلت من يمين المدرج تجاه صحن المدرج حيث قدمت الوانا من فنون الدبكة تميزت بالمهارة والرشاقة العالية في الوقت الذي رافق شجي “الشبيبة” من الفرقة عازفو الايقاعات بأنواعها ولاسيما “الطبلة/الدربكة”.
وتلا ذلك عودة الموسيقار الناصر في نسجه الابداعي لمقطوعات الليلة الموسيقية، إلى سرد المجد متجليا بمقطوعة “اردن” في استحضار ثالث للمكان والانسان والزمان، يصاحب فيها الموسيقا تجليات آهات “الفوكاليستس” للمجموعة الغنائية، بايقاعاتها التي تبدأ بطيئة هادئة ما تلبث ان تتصاعد بوتيرة متدرجة الى ايقاعات سريعة مرتفعة، لتنتقل الليلة الموسيقية الى مقطوعة “ما انت روحي وانت قلبي والغالي يرخصلك” لتحيل الاجواء في ايقاعها الهادئ البطيء الى فضاء وردي مضمخ بالمشاعر العاطفية الجياشة ليمثل جسرا بين المقطوعة السابقة لتنتقل بها الى مقطوعة “يا ابن العلم” بايقاعها السريع المرتفع والتي تنهل من الموروث الفلسطيني ليتواصل نسج الناصر بجمعه ما بين الاردن وفلسطين ودرجات الحب اللامتناهي.
الموسيقار الناصر والفرقة التي ضمت 35 موسيقيا منهم مجموعة النفخيات من مصر وموسيقي أميركي مقيم في الأردن ومجموعة الكمنجات بقيادة شريف الخطيب، بالإضافة إلى مجموعة من الموسيقيين من الأردن الذين أصبحوا يشكلون نواة فرقة “رم”، يقدم مقطوعات “تلتقي النظرات” من اشعار سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصوت سولو / منفرد لاحد اعضاء مجموعة الغناء، “السوبرانو” المتميز عدي النبر، تليها “نار” للفرقة الموسيقية بايقاع سريع مرتفع و”دق قلبي” بايقاعها البطيء ومصاحبة غناء المجموعة ليعود ويستدعي الموروث بحضور بارز لالة “اليرغول” الموسيقية النفخية الشعبية وعزف نصراوي، و غناء عدي الصقار يصاحبهما عازفو الآلات الايقاعية بالفرقة لتعلن عن جولة اخرى لفرقة “صوت الاردن” قبل ان يختتم بمقطوعة “تمنى” التي استهل الليلة الموسيقية المميزة بها.
وقال الموسيقار الناصر لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان هذا الحفل الموسيقي عمل على جمع مختلف الاصوات الموسيقية المتاحة والممكنة حيث قدم فيه توزيعات جديدة نسعى من خلالها على تثبيت الموروث القديم حفاظا على الاصالة وننطلق بها تراكميا الى رحابة الموسيقا بفضائها الاوسع والاشمل.
وأشار الى ان هذا الحفل الموسيقي الذي يأتي بعد مرور 18 عاما على إنشاء فرقة رم الموسيقية هو حفل مستقل بكل ما تعنيه الكلمة دون رعاية اي علامة تجارية حيث قام على جهود الفرقة وبتنظيم جمعية “تجلى” للموسيقا والفنون التي ترأسها رسل الناصر، مثمنا جهود امانة عمان الكبرى الداعم الرئيس للحفل، والدعم اللوجيستي لوزارة السياحة والاثار.
واعرب الناصر عن سعادته بالجمهور الكبير الذي تجاوب مع الحفل وامتلأت به مدرجات المسرح “الروماني” في عمان، مبينا أن ما هدف اليه الحفل هو نشر هذا الكم الهائل من المحبة والتلاقي والفرح الذي تجلى على وجوه الجمهور وانفعالاتهم مع الموسيقا.
واعرب رئيس فرقة “صوت الاردن” بلال الزحراوي لـ(بترا) عن امتنانه للموسيقار الناصر الذي “ادخل الفلكلور الشعبي ممثلا للهوية الاردنية الى حفلات فرقة رم الموسيقية”، مشيرا الى ان هذه الحفلة الموسيقية تجاوزت في جمهورها حفلات بعض المهرجانات.
كما اعرب عن امتنانه للجمهور الذي تجاوب مع حضور فرقة صوت الاردن ودمجها موسيقيا واداءً راقصا، ضمن حفلة موسيقية للموسيقار طارق الناصر والفرقة المصاحبة التي تضم موسيقيين محترفين محليا وعربيا ودوليا.