شاب عشريني ساحر، كان حتى الأمس القريب معروفا لدائرة ضيقة من الرياضيين، تحول لبطل عالمي؛ حفر اسم بلاده بالذهب، بعد نحو 35 عاما من المحاولات المتكررة للفوز بلقب أولمبي.
كانت مدينة ريو البرازيلية محط أنظار الأردنيين ليلة أول من أمس، التي خاض فيها البطل أحمد أبو غوش ثلاثة نزالات مع أمهر لاعبي التايكواندو في العالم؛ تجاوز بسهولة نظيره المصري، وسحق اللاعب الإسباني. ثم كان النزال الكبير مع اللاعب الروسي، فتحقق الحلم؛ أبو غوش يصعد المنصة متوجا بالذهب. علم الأردن يخفق عاليا فوق أعلام المنافسين، والسلام الملكي يصدح لأول مرة في الأولمبياد.
يا لها من لحظة رائعة! اللاعب المثابر الذي تتلمذ على يد مدرب وطني، يحلق ببلاده عاليا، ويضع اسمه على قائمة الأبطال العالميين لأول مرة في تاريخنا بالمشاركات الرياضية.
أضاف أبو غوش للعرب في ريو ميدالية ذهبية جديدة. لكنه بالنسبة لنا منحنا جرعة هائلة من الأمل، والثقة والطموح. صار لكل شاب أردني يطمح إلى التميز والمنافسة والفوز في مختلف الميادين، قدوة أردنية، بعد أن كسر أبو غوش حاجز الفوز بالذهب، ونال التتويج عن جدارة واستحقاق.
كنا في أسوأ مزاج قبل تلك الليلة العظيمة؛ ثقافة الكراهية تحاصرنا على مواقع التواصل الاجتماعي، ورياح الفتنة تلفح وجوهنا، والعصبيات الضيقة تعبث بوحدتنا الوطنية. بضع حركات رياضية رائعة من أحمد أبو غوش، كانت كفيلة بتغيير المزاج العام؛ اندحرت “البوستات” الكريهة، وهيمنت على “السوشال ميديا” نبرة وطنية جامعة. الأردنيون من مختلف المشارب والأصول توحدوا خلف أبو غوش والراية الأردنية الواحدة. بكوا فرحا وبهجة مع البطل ومدربه الرائع فارس العساف، وشعر كل واحد فينا أنه بطل متوج مثل أبو غوش.
ليس هناك سلاح أمضى من سلاح النجاح والتفوق لكسر العصبيات ودحر ثقافة الجهل، وتوحيد الشعوب وتعظيم وحدتها الوطنية.
مجتمعنا بحاجة إلى المئات من أمثال أبو غوش؛ في الرياضة والفن والثقافة والطب والزراعة والاقتصاد، وسواها من القطاعات؛ المئات من الموهوبين والمبدعين، ليكونوا قدوة لأبناء شعبهم، وعناوين لفخرهم ووحدتهم.
منذ اليوم، سيرفع أطفالنا وشبابنا صورة أبو غوش إلى جانب مشاهير الرياضيين في العالم؛ فقد نال المجد الذي يجعل منه مصدرا للإلهام.
لقد نجحنا على مدار عقود في تقديم المتميزين في مجالات عدة. ومثل هؤلاء مصدر فخر للناس العاديين، خاصة عندما تدوي سمعتهم في الخارج، ويشار إليهم في المنابر العالمية.
الرياضة منحتنا أسماء لامعة، وكذلك الطب والاقتصاد والهندسة والفنون.
أبو غوش حملنا إلى مرتبة لم نبلغها من بعد؛ اسم الأردن كان يتردد أمس في كل وسائل الإعلام العالمية. من لم يعرف شكل رايتنا فقد شاهدها ترفرف فوق القمة، ومن لم يسمع نشيدنا الوطني سمعه في “ريو”.
يكفينا ما ألحقه قلة من المنحرفين والإرهابيين من أذى بسمعة بلادهم، حتى صار اسم الأردن مقرونا بهؤلاء القتلة. منذ اليوم، سيقترن اسمنا بالأبطال من أمثال أحمد أبو غوش.