د. أبو حمور: وسطية الحضارة العربية والإسلامية أسست عملياً لمفاهيم التعايش وقبول الآخر الثقافي

عروبة الإخباري – ضمن سلسلة اللقاءات الفكرية لمنتدى الفكر العربي، عُقد مساء الثلاثاء 16/8/2016 لقاء بعنوان “التنوع الثقافي في المجتمع والهوية الجامعة”، حاضرت فيه الدكتورة فاطمة جعفر رئيسة منتدى التنوع الثقافي الأردني وعضو هيئة التدريس في جامعة عمّان العربية، وعقّب على المحاضرة الدكتور موسى شتيوي مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وأدار اللقاء الدكتور محمد أبو حمور الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، بحضور أكاديميين وممثلي هيئات من المجتمع المدني ودبلوماسيين وكُتّاب وإعلاميين.
كلمة د. محمد أبو حمور
في كلمته التقديمية للقاء أوضح د. محمد أبو حمور أن التنوع والاختلاف هو أمر طبيعي في المجتمعات الإنسانية، وخاصة أن مفهوم التنوع الثقافي أصبح مع التقدم البشري مفهوماً أوسع من الانتماء إلى مجموعة عرقية أو دينية أو انتماء جهوي ضيق، نتيجة انفتاح العالم على بعضه بعضاً، والتطور الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، وخاصة في مجال الاتصالات والمعلومات ووسائل الانتقال السريعة وظهور تخصصات مهنية شتى، أوجدت أنماطاً من الحياة والعادات والعيش والمعايشة والمفاهيم المشتركة بين مجتمعات وأفراد مختلفين ومن أماكن مختلفة أيضاً، وبدورها عملت هذه الأسباب على إيجاد مجتمعات جديدة الطابع لها مصادرها المعرفية ومصالحها المشتركة وطرق تعامل وعلاقات ومفاهيم تميزها.
وأضاف د. أبو حمور أن العصر الحالي لا يقبل الانعزال والتقوقع في دائرة محدودة بعيداً عن حركة التطور الإنساني ومنجزات العلم والمعرفة وتأثيرها الواضح في حياة الأمم والأفراد، وإن كان تدفق تيارات العولمة وظهور نظريات مثل صِدام الحضارات لهنتغتون ونهاية التاريخ لفوكوياما، قد انتجت إحساساً بالخطر لدى العديد من المجتمعات والثقافات القومية والوطنية على كياناتها وحقوقها، والخشية من الذوبان في هوية مُعولَمة تلغي الامتداد الثقافي والتاريخي والأسس التي ترسخت وقامت عليها هويات تلك الكيانات.
وقال د. أبو حمور بأن المشتركات الأوسع في الانتماء الحضاري تقدمها لنا الحضارة العربية الإسلامية في نماذجها الوسطية المشرقة، التي استوعبت على امتداد انتشارها من أقصى الشرق إلى الغرب، شعوباً وقوميات وثقافات وأتباع ديانات وعقائد كثيرة، واستطاعت أن تصنع من هذا المزيج الثقافي المتنوع إنجازاً حضارياً أسس عملياً بشكل أو بآخر لمفاهيم التعايش والتبادل الثقافي والحوار المتكافىء وقبول الآخر ضمن إطار إنساني جامع يحترم الثقافات المتنوعة.
وأكد د. أبو حمور أن المواطنة في إطارها الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان هي المضمون الحقيقي الذي يعبِّر عن الانتماء والهوية الجمعيّة، وأن الهوية الجامعة أو الوطنية معيارها يتمثل في روابط ومصالح إنسانية مشتركة لجماعات تنتمي إلى حيز جغرافي معين ولها تاريخ مشترك، دون أن يشكل ذلك تهديداً من أي نوع – وهكذا يُفتَرَض – لكياناتها الدينية أو العرقية أو الطائفية، بل تقوم العلاقات بينها على الاحترام المتبادَل وقيم التعايش والقوانين الناظمة للتنوع الثقافي بصورة تحقق العدالة للجميع، وتضمن من هذا الاختلاف والتفاعل الإيجابي تعزيز قوة المجتمع ومرونتة وحيويته.
محاضرة د. فاطمة جعفر
في محاضرتها حول التنوع الثقافي والهوية الوطنية الجامعة والعوامل المؤثرة في تحقيق الأمن المجتمعي من خلال النظرة الإنسانية والقانونية، بيّنت د. فاطمة جعفر أن الثقافة بالنسبة للأمم المتحدة تعني “كل الحقوق التي تمكّن الإنسان من أن يأخذ حجمه الكامل، وأن ثقافة أي شعب هي طريقته الخاصة في الحياة، وموقفه منها، وآراؤه فيها، وفلسفته تجاه مشاكلها، ثم تصوره لوضعه في الحياة”، وأن مفهوم التنوع الثقافي يحمل فكرة التعايش بين أكثر من مظهر ثقافي داخل نفس الوسط المجتمعي، وعندما يكون لدى المجتمعات تواجد لتعبيرات ثقافية متنوعة، فإن ذلك ينعكس في ظهور ديناميات مجتمعية مختلفة بين تلك الكيانات الثقافية. وفي معظم الحالات هذه العلاقات تعكس ديناميات بين الأكثرية والأقلية.
وأوضحت د. فاطمة أن هوية الإنسان تمثل جوهره، كما أن هوية الثقافة أو الحضارة هي جوهرها وحقيقتها، وأن هوية أية أمة أو مجتمع هي الصفات المميزة له ليعبر عن شخصيته الحضارية. كما تعتبر الهوية الاجتماعية محصلة مختلف التفاعلات المتبادلة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي القريب والبعيد، كالانتماء إلى طبقة جنسية أو عمرية أو اجتماعية أو مفاهيمية في المنظومة الاجتماعية.
وحول التنوع الثقافي في الأردن، قالت د. فاطمة: إن هذا التنوع يعود إلى عمق التاريخ الإنساني، وإلى الإرث الحضاري والثقافي الذي يتمتع به الأردن منذ العصور القديمة، والذي استمرت أهميته الحضارية والثقافيةً عبر عصور الإسلام المتعاقبة وصولاً إلى تأسيس الإمارة الأردنية عام 1921، التي تشكلت نواتها على أسس من الحداثة والمعاصرة والتنوع الثقافي؛ إذ ساهمت جميع القوميات التي تعيش على الأرض الأردنية من العرب، والشركس، والشيشان، والأكراد، والأرمن، وغيرهم في إرساء بناء الدولة الأردنية المعاصرة وبناء الشخصية الوطنية الأردنية؛ مشيرةً إلى أن هذه القوميات انصهرت في بوتقة المجتمع الأردني ليشكل الجميع كتلة وطنية موحّدة ومتماسكة، ضمن لوحة أردنية فسيفسائية رائعة عكست واقعية المجتمع الأردني. فقد احتفظت كل قومية بخصائص ثقافتها القومية وسماتها من حيث : اللغة، والدين، والعادات والتقاليد، والفلكلور، والفنون، واللباس، والطعام، والطقوس الدينية والاجتماعية وممارستها بكل حرية، سواء في إطار مجتمعها القومي المحدود أو في إطار المجتمع الأردني بشكل عام.
كما أشارت إلى أن الدستور كفل حقوق المواطنين الأردنيين على اختلاف أصولهم وأعراقهم وديانتهم، وأن هذا الامتزاج المتناغم المبني على قاعدة قبول الآخر واحترامه شكّل المجتمع والدولة الأردنية المعاصرة بكافة الجوانب السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، وقد شارك الجميع في تدعيم أركان المجتمع والدولة في إطار الثقافة العربية الإسلامية والهوية الوطنية الأردنية.
وأوضحت د. فاطمة في هذا السياق أن الهوية أصبحت شأناً من شؤون الدولة الحديثة، التي تدير قضية الهوية وتضع القواعد والضوابط لها، وتسعى إلى توحيد هذه الهوية فإما أنها لا تعترف إلا بهوية ثقافية واحدة لتحديد الهوية الوطنية، أو أنها بعد قبولها لنوع معين من التعددية الثقافية في كنف الأمة، تقوم بتحديد هوية مرجعية تكون الهوية الوطنية الوحيدة. وهناك فرق بين الهوية الوطنية المتعصبة التي تفرضها دولة أيديولوجية تقوم على استبعاد الاختلافات الثقافية ويقوم منطقها المتطرف على مفهوم التطهر العرقي، والهوية الوطنية الجامعة التي تعكس الحقوق المتصلة بالمواطنة في سوية قانونية عابرة لمختلف هويات المواطنين الصغيرة وجامعة لهم في إطار رؤية وطنية واحدة منعكسة عبر التنوع، وعندها تتصالح الهويات في الوطن الواحد وتتفاعل وتتلاقح وتجعل من الاختلاف مادة للغنى، ومن التنوع قوة للذات، ومن التعدد قدرة على استقطاب واحتواء التناقضات الخطيرة التي تنشأ عن قمع إرادة التنوع والاختلاف من التعبير عن ذاتها في الفضاء العام.
موسى شتيوي
عرج على بعض الموضوعات التي تناولتها ورقة د. فاطمة جعفر ، وتتعلق بنظريات التعدد الثقافي حيث ظهرت بعد تجارب عديدة، وخاصة الاحتكاك بين الأديان والثقافات المختلفة في دول العالم.
وقال بأنه تم إعادة طرح هذه المسألة منذ 25 عاما ومنها مسألة توثيق البعد السياسي والتحولات السياسية المرافقة له وأدت بالتالي إلى خروج نماذج وظهور أخرى في مسألة بناء الدولة الحديثة.
وتحدث عن العولمة وما رافقها من تحولات مهمة على المستوى الاقتصادي وإعادة ترتيب العلاقات الدولية والتجارية أمام تهاوي الحدود بين الدول وظهور ثقافات عالمية وبروز أنماط ثقافية مختلفة.
كما تحدث عن سيادة الدولة والتأثير على قراراتها أمام العولمة وعلى مستوى دول العالم كافة، وظهور منظمة التجارة العالمية وغيرها. كما أثرت العولمة على سيادة الدولة المستقلة على كثير من المجالات ولأصبحت محدودة، لا سيما القرارات المالية المرتبطة بالعالم.
كما تناول التزايد غير المحدود في الهجرات السكانية واللجوء في منطقتنا وما يشهده العالم الآن من هجرة غير محدودة بسبب الظروف القائمة، مشيرا الى أن عملية اللجوء ظاهرة تاريخية أبرزت مشاكل وثقافات مختلفة عن المجتمعات التي تعيش فيها

Related posts

صدور كتاب الأردن وحرب السويس 1956 للباحثة الأردنية الدكتورة سهيلا الشلبي

وزير الثقافة يفتتح المعرض التشكيلي “لوحة ترسم فرحة” دعما لأطفال غزة

قعوار افتتحت معرضها الشخصي “العصر الذهبي”