المهم أن تكون نزيهة/ جمانة غنيمات

نتيجة صعوبة في فهم قانون الانتخاب الجديد، كما استعصاء التفاهمات والتوافقات لدى البعض على تشكيل القوائم الانتخابية، بدأنا نسمع، منذ مدة، نغمة جديدة في الحديث عن سوء هذا القانون، ولدرجة ذهاب فئة إلى القول بأن سابقه “الصوت الواحد”، أفضل منه.

هل من المعقول أن نسمع مثل هذا الرأي، بعد كل سيئات “الصوت الواحد” و”الدوائر الوهمية”، إذ حملت نتائج كارثية على المجتمع؛ تقسيما وتمزيقا وتفتيتا، بحيث يقول قائل ليتنا أبقينا على ذاك القانون؟!

بصراحة، وللأسف، فإن هكذا رأي لا يؤشر فقط إلى حرص على جزئيات مصلحية صغيرة، في دوائر ضيقة، بل هو رأي يكشف كذلك أن الانقسام وتمزيق المجتمع باتا مطلبا، فقط لأنهما يخدمان أجندات البعض، كون قانون الانتخاب الجديد يقوم على توسيع الدوائر الانتخابية، بما لا يناسب إمكانات هؤلاء، ولا يسمح لهم بالفوز في الانتخابات.

طبعاً، يبرر جزء من المدافعين عن العودة إلى “الصوت الواحد” موقفهم باستعصاء فهم القانون الحالي. وقد يكون ذلك صحيحاً في بعض تفاصيله. لكن هذا الأمر كان ينطبق أيضاً على القانون السابق، فلم يفهمه الناس تماماً إلا بعد أن ذهبوا إلى صناديق الاقتراع.

تتناسى نخب وهي تتحدث عن قوانين الانتخاب، كل نتائج استطلاعات الرأي، التي تأتي فيها هذه القوانين وتغييرها في آخر سلم أولويات الناس بالعادة؛ فيما أولوياتهم الفعلية تحكمها حاجاتهم المعيشية والاقتصادية ومحاربة الفساد.

كما أن غياب الحياة الحزبية الحقيقية يجعل صحيحاً أن القانون السابق هو الأنسب. لكن غياب “الحزبية”، أو وجودها بكل تشوهاتها القائمة، لا يعني عدم تطوير قانون الانتخاب. هذا عدا عن أن مصالح صغيرة لا يجب أن تُقبل مبرراً للمناداة بالعودة إلى “الصوت الواحد”.

اليوم، وبعد الانتهاء من القوائم الانتخابية وإشهارها، ندخل مرحلة جديدة، مع إمكانية استمرار الجدل حول القانون الحالي ومخرجاته؛ إذ سيبقى الفريق ذاته ينكر أنه أفضل من سابقه. لكن نتائجه المطلوبة ستستغرق وقتا، لحين نضوج باقي متطلبات نجاحه، ومنها تجذر الأحزاب وتأكد فعاليتها، فتكون بالتالي مقنعة للشباب والمجتمع عموماً بجدوى وجودها.

صحيح أن القانون الحالي ليس النموذج المطلوب بكامل دسمه ومثاليته. لكن ذلك لا يلغي أنه خطوة للأمام، أقله أنه خلصنا من قانون “الصوت الواحد”.

كما أن التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في ماهية القانون، بل هو يتمثل فعلياً في قضيتين أساسيتين: نسبة المشاركة في الانتخابات؛ وأهم من ذلك نزاهة وشفافية العملية، كأساس لاستعادة الثقة الشعبية بها، بعد أن كسرت كل الممارسات الكارثية في انتخابات سابقة هذه الثقة برمتها.

فيما يتعلق بنسبة المشاركة، وعلى أهميتها، فإن زيادتها ليست من مهام الهيئة المستقلة للانتخاب. إقناع الناخب بالتوجه إلى صندوق الاقتراع يرتبط أساساً بالأحزاب والمرشحين عموماً، ومدى قدرتهم فعلا على الحصول على صوت الناخب. مع ضرورة الإشارة إلى أن ثلث القوة التصويتية مغتربة خارج البلاد، ما يعني انخفاض النسبة بشكل طبيعي، وبالتالي ضرورة عدم رفع السقف حيال المشاركة المتوقعة.

في المقابل، فإن دور “الهيئة” بدرجة رئيسة يتجلى في إجراء انتخابات من دون تزوير وتدخل، وإقناع الناس بسلامة ونزاهة العملية؛ أي أن النتائج النهائية قررها الناخبون وحدهم عبر الأوراق التي وضعوها في صناديق الاقتراع. وبذلك يتم التأسيس لمرحلة جديدة من الثقة بمخرجات العملية الانتخابية، وإن كان هذا الأمر سيحتاج بداهة أكثر من دورة انتخابية لتكريسه.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري