لماذا ستصوّتون؟!/ محمد ابورمان

مع البدء بتسجيل القوائم المرشّحة، ينطلق الماراثون الحقيقي للانتخابات النيابية المقبلة. إذ ستدخل البلاد في هذه الأجواء خلال الشهر القادم حتى موعد التصويت المقرر (20 أيلول). وبذلك نكون قد تجاوزنا الهاجس الأول، وهو قدرة المرشحّين على تشكيل القوائم؛ فقد سجّل في النصف ساعة الأولى فقط (من صباح أمس) قرابة 78 قائمة.

بالضرورة، لن يصدّق الناس كثيراً من “الوعود” التي سيطلقها المرشّحون، برغم أنّهم سيصفقون لهم وهم يتحدثون عن التغيير الذي سيحدثونه، وعما سيفعلونه تحت القبة.

لكن، إذا كانوا لا يصدقون هذه الوعود، فلماذا يصوّت الناس في الانتخابات؟!

من المعروف أنّ الهدف من أيّ “انتخابات ديمقراطية” هو تداول السلطة، عبر أحزاب سياسية متنافسة، كلّ منها يطرح برنامجه في الانتخابات ويصوّت الناس على هذا الأساس. لكن لدينا القصة مختلفة تماماً؛ فلا توجد أحزاب سياسية متنافسة، ولا برامج واقعية مقنعة، ولا أوهام حول تداول السلطة وتغييرات سياسية جوهرية مرتبطة بالانتخابات.

لا أظنّ أنّ أحداً لديه وجهة نظر مغايرة عن الواقع السياسي، وعن التوقعات المرتبطة بنتائج الانتخابات. وإذا كان الأمر كذلك، دعونا نعيد طرح السؤال مرّة أخرى: لماذا سيصوّت الناس؟ ولماذا يترشح كثيرون للوصول إلى قبّة البرلمان؟!

أظنّ أنّ النسبة الكبيرة من القرّاء ستجيب عن هذا السؤال بالقول: أغلب المرشّحين لأسباب شخصية، حتى لو كانوا أعضاء في أحزاب وقوى سياسية؛ فالهدف في النهاية أن يصلوا إلى قبّة البرلمان، إما لخدمة الجمهور أو حتى لمنافع ذاتية. كما أنّ أغلب الناس تصوت لاعتبارات متباينة؛ اجتماعية، وعشائرية، وحتى الاعتبارات السياسية فهي مرتبطة بمحاولة تعزيز حضور الحزب الذي يؤيدونه بأكبر عدد ممكن من المقاعد، ضمن لعبة إثبات الوجود وتحديد حجم النفوذ!

طرحت المعطيات السابقة لهدف آخر، هو ترسيم سقف التوقعات الممكنة من الانتخابات النيابية؛ أي ما هو الطموح والهدف الممكن تحقيقه -سياسياً- فعلياً من المشاركة في الانتخابات -ترشيحاً وانتخاباً- فإذا لم يكن التغيير الحقيقي عبر البوابة الديمقراطية وصناديق الاقتراع، فما هو؟!

قبل محاولة الجواب عن السؤال، أذكر مبرراً مهماً لطرحه، يتمثل في متابعتي لردود وتعقيبات القرّاء على مقالاتٍ سابقة، لي ولزملاء آخرين. وأغلب هذه التعقيبات تدور حول ثيمة أساسية، مفادها أنّه لا فائدة في المشاركة في الانتخابات، فلن يتغيّر شيء، ونحن ندور في حلقة مفرغة. والبعض وصل إلى حد طلب إلغاء مجلس النواب وتوفير المال والرواتب للفقراء!

بالطبع، لا أستطيع أن ألوم الرأي المتشائم، فهو -في نهاية اليوم- لم يأتِ من فراغ، بل أقرب إلى الواقع والمؤشرات المنطقية. لكنْ مع ذلك، هناك أمور من المفترض ألا تغيب عنّا تجاه “التوقعات” المرتبطة بالانتخابات ومخرجاتها.

إذا لم يكن بالإمكان إحداث التغيير الجوهري والوصول إلى عملية ديمقراطية كاملة، فليكن تغييرا جزئيا، وخطوة في الطريق إلى المطلوب. فإذا كنا لا نملك أحزاباً ولا حتى تشريعات تمكّنها من تحقيق الأغلبية، فعلى الأقل وجود شخصيات سياسية نقدية وقوى تحت القبة يخلقون نقاشاً مهماً ويعدّلون في التشريعات ويطرحون قضايا المواطنين ويساهمون في ترشيد النقاش الوطني وتأطيره في سياق سياسي عميق. كل ذلك أفضل من مجلس نواب يبث الغوغائية ويكرّس حالة الإحباط لدى الشارع من أنّ النخبة السياسية بأسرها انتهازية، وتسعى خلف مصالحها الشخصية، ولا تملك حسّاً بالمسؤولية السياسية ولا تفكّر بأبعاد وطنية، بل إقليمية وجهوية.

شخصياً، لستُ متوهِّماً، وأُدرك تماماً محدّدات “اللعبة السياسية”. لكنّي أفضل وجود مجلس نواب، فيه أكبر عدد ممكن من أعضاء على درجة من الثقافة والمسؤولية والإيمان بالحريات وحقوق الإنسان والمواطنة، على صورة مجلس نواب يعزز من التشاؤم وفقدان الأمل!

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات