الملك يبعث برسائله/ فهد الخيطان

أمس، تأكد الجميع أن قرار إغلاق الحدود مع سورية، واعتبار المناطق الشمالية والشمالية الشرقية مناطق عسكرية مغلقة، هو قرار استراتيجي للدولة الأردنية، تم اتخاذه على أعلى مستوى، ولا نية أبدا للمساومة عليه، أو مراجعته.

حديث جلالة الملك للزميلة “الدستور” كان محمّلا بالإشارات والرسائل الصريحة والواضحة حيال هذا الموضوع، الذي يمس بشكل مباشر الأمن الوطني الأردني. وفي رسالة واضحة للأطراف الخارجية، قال الملك إن الأردن لن يقبل المزايدة والضغوط من أحد.

وليس سرا أن جهات دولية؛ حكومية وأممية، لا تمل من تكرار دعواتها للأردن لفتح حدوده أمام عشرات الآلاف من اللاجئين المحتشدين على الجانب السوري من الحدود الأردنية، وجلهم قدموا من مناطق خاضعة لحكم تنظيم “داعش” الإرهابي. وقد استغل الإرهابيون خط الإمداد الإنساني الذي أقامه الأردن لمساعدة هؤلاء، للتسلل من خلاله وتنفيذ عملية إرهابية بحق جنود حرس الحدود.

وقد مثلت هذه العملية نقطة تحول في مقاربة الأردن الحدودية، دفعت في نهاية المطاف إلى إغلاق الحدود نهائيا، التزاما بالمصلحة الوطنية الأردنية بوصفها أولوية لا يمكن المساومة عليها.

لهجة الملك الحازمة بهذا الموضوع، تحمل في طياتها رسالة واضحة للأطراف المشاركة في اجتماع رفيع المستوى تستضيفه الأمم المتحدة الشهر المقبل لبحث قضية اللاجئين السوريين. وهو أقرب ما يكون لقمة عالمية، استبقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بتصريحات منذ فترة وجيزة، بدا منها أن الأمم المتحدة تمارس ضغوطا ناعمة على الدول المستضيفة، لتحمل أعباء اللجوء، والتسليم بالواقع القائم، وإخلاء لمسؤولية المجتمع الدولي تجاه أزمة إنسانية مفتوحة وبلا نهاية قريبة.

واستباقا لمحاولات من هذا القبيل، حرص الملك على تذكير المجتمع الدولي باقتراح سبق أن طرحه، يتضمن استعداد الأردن لتسهيل نقل هؤلاء اللاجئين عبر الأراضي الأردنية لبلد ثالث أو عدة بلدان، لاستضافتهم لحين عودة الاستقرار في سورية.

ولا يسعى الملك من وراء هذا الاقتراح إلى إحراج الدول الغربية، بل إلى تذكيرها بأن مساعدة اللاجئين هي مسؤولية المجتمع الدولي برمته، وليس الأردن أو دول الجوار السوري التي ترزح تحت ضغط اللجوء، ولا تلقى الدعم الكافي لتحمل تداعياته الثقيلة.

وثمة حل آخر لا أجد مبررا لتجاهله من المجتمع الدولي. معظم اللاجئين في مخيم الركبان قدموا من مناطق سيطرة “داعش”، وهناك مؤشرات قوية على أن التنظيم الإرهابي بدأ يفقد السيطرة على تلك المناطق. منذ أيام فقد معقله الاستراتيجي في مدينة منبج السورية، وخسر مناطق واسعة في دير الزور والمناطق المجاورة. أما مركزه الرئيس في الرقة، فبات محاصرا من كل الجهات ومن جميع الأطراف، وتحرير المدينة بات مسألة وقت.

إزاء هذا الوضع، لماذا لا تشرع المنظمات الأممية، وبالتعاون من الأطراف السورية المعنية، في وضع خطط لإعادة اللاجئين إلى ديارهم بعد تحريرها، بدلا من الضغط لتهجيرهم خارج سورية؟

موقف الأردن القاطع، ربما يساهم في دفع المجتمع الدولي للتفكير بهكذا خيار، صار متاحا مع تقهقر “داعش” على كل الجبهات.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري