«أسطول الحرية إلى غزة» نسائي هذه المرة!/ نهلة الشهال

أُعلن الخبر في 8 آذار (مارس)، في يوم المرأة العالمي. واليوم، وصلت سفينة ذلك الأسطول (أو «الفلوتيلا»، مثلما صار مقبولاً أن يقال بكل اللغات) الى برشلونة، وينهي بحارتها وركابها آخر التفاصيل، قبل موعد الإقلاع بعد شهر من الآن. أو بالأحرى، «هن ينهين»، بتلك النون التي لطالما أزعجت النسويات العربيات في بداياتهن، معتبرات أنها تمارس تمييزاً تجاههن، إلى أن نضجت المقاربة النسوية وتبنت بحماسة نون التأنيث كعلامة على تأكيد الوجود!

أطلقت «التنسيقية الدولية لأسطول الحرية» الطبعة الرابعة هذه من محاولتها العنيدة لتحدي حصار غزة، واختراقه (رمزياً بالطبع)، وبكل الأحوال لإعلان التضامن مع سكان غزة المسجونين منذ عشر سنوات. أولى السفن أبحرت في 2008. ولأن الفكرة كانت جديدة تماماً، فقد فاجأت السفينة السلطات الإسرائيلية ووصلت إلى ميناء غزة، فخرج الناس لاستقبالها بالورود والهتافات و… كثير من الفرح. وتزيّن الميناء طوال إقامة المجموعة، وعقدت فيه الندوات والحفلات، فولِدت لحظة من مشاعر التسامي الإنساني النادرة، سجلها المشاركون في تلك السفينة الذين (كالبروفسور فانجليس بيسياس من اليونان، مهندس المياه والأستاذ في «بوليتكنيك» أثينا، الذي لعب دوراً كبيراً في تلك السفينة الأولى ثم في ما أتى بعدها) ما زالت تدمع عيونهم عند تذكرها. في إثرها، تشكلت التنسيقية العالمية من جمعيات وحركات سبق لمعظمها التعارف في إطار المنتديات العالمية المناهِضة للعولمة. وبعد عامين من النقاشات والجهود، انطلقت «فلوتيلا الحرية» في 2010 من ثماني سفن، وشاركت فيها جمعيات تركية بسفينة عملاقة، «مافي مرمرة»، التي هاجمتها القوات الإسرائيلية بعنف (ورعب؟)، ما أوقع 9 ضحايا بين المشاركين. أما التالية فكانت في 2012، أثناء زخم «الربيع العربي»، وتخللها «مرافقة» قطع من البحرية العسكرية المصرية لها عند اقترابها من المياه الإقليمية للبلد، تبادل من كان على ظهرها كلمات التشجيع المؤثرة عبر مكبرات الصوت مع المشاركين العرب، وبينهم شبان شاركوا في انتفاضات بلدانهم قبل أشهر من ذلك. وتمكن المشاركون من مفاجأة الزوارق الإسرائيلية التي كانت تتوقع (بالخبرة!) ظهورها على بعد أكثر من مائة ميل بحري عن شواطئ فلسطين (وعادة تبدأ بالمواكبة قبل ذلك، وفي حيز المياه الدولية، ثم تتدخل فتوقف السفن وتنقل ركابها إلى ميناء أشدود ثم إلى معتقل قريب، وتحقق معهم ويتم ترحيلهم بعد أيام)… فاجأوهم إذ هيأوا حماماً زاجلاً وحمّلوه بطاقات الكترونية، لِما أمكنهم تسجيله بكاميراتهم في تلك اللحظة الحرجة: قبل «الاشتباك» وبعد قطع الاتصالات اللاسلكية. وقد أمكن وصول بعض ذلك الحمام بأمان إلى أماكن محددة في اليونان، فيما ظن الإسرائيليون أن إطلاقها كان مجرد حركة تشير إلى السلام…

وفي العام الماضي، غادر المركب «ماريان» ميناء غوتنبرغ في السويد وطاف على عدد من الموانئ والمدن خلال مساره نحو غزة ترافقه لفترة قصيرة، وانطلاقاً من اليونان، مراكب بأسماء «جوليانو» و «راشيل» و «فيتوريو»، كتحية لهؤلاء المناضلين الراحلين على أرض فلسطين (ولكن، عدا الشابة الاميركية راشيل كوري التي قتلتها في رفح عام 2003 جرّافة إسرائيلية بينما هي تحاول اعتراض طريقها وحماية أحد البيوت من الهدم، فالاثنان الآخران قضيا في ظروف ملتبسة ومشبوهة). وقد اشتهر في حينه وجود المنصف المرزوقي على متن «ماريان»، وهو الرئيس التونسي الأسبق الذي أتى بعد الفترة الأولى من إسقاط بن علي… وأوقفته إسرائيل وسارعت بترحيله في اليوم الثاني.

«الأمل/ Hope» هو الاسم الذي يحمله مركب النساء الذي عُين رابعاً في الفلوتيلا، وكانت فكرته بدأت بمبادرة من اللجنة الكندية. وأما بحارته وتقنيوه فمن النساء، كما تشارك فيه 20 امرأة بينهن ميريد ماغواير الإرلندية الحائزة جائزة نوبل للسلام في 1976، والبرلمانية النيوزيلاندية مراما ديفيدسون، والكاتبة والمسرحية الاميركية المعروفة نعومي ولاس وهي حائزة جوائز عالمية، والأكاديمية النروجية غيرد فون ديرليب، والبطلة الرياضية التركية سيدم توب اوغلو، والأكاديمية الماليزية فوزية مهد حسن. وقد أطلق مطلع العام نداء عالمي للمصممين لرسم شعار سفينة النساء، وجرى اعتماد رسم جميل بألوان فلسطين الثلاثة يمثل شراعاً متعدد الطبقات، أوله بالأحمر ويتخذ ملمح الوجه الجانبي لامرأة.

اختيرت برشلونة للانطلاق، لأنها مدينة متوأمة مع مدينة غزة منذ 1998، ولأن العدوان الإسرائيلي دمر في هجومه العام 2009 «حديقة برشلونة للسلام» التي أنشئت في غزة، فأعيد بناؤها في 2010! وخلال حوالى الخمسة عشر يوماً المخطط للمركب أن يستمر أثناءها بالإبحار، بين منتصف أيلول (سبتمبر) ونهايته، سيرسو هو الآخر في عدة مدن ساحلية من المتوسط حيث تنظم فاعليات تضامنية مع فلسطين ومطالِبة بإنهاء حصار غزة. ويقول بيان النساء المشاركات الذي تلي أمام البرلمان الأوروبي في مطلع حزيران (يونيو) الفائت، أن المبادرة تهدف أيضاً إلى إبراز دور النساء الفلسطينيات المميز والأساسي في صمود شعبهن. كما أكد البيان الطبيعة السلمية والمدنية للمبادرة، وأنها «كانت لتكون غير ضرورية لو أن الهيئات الدولية تقوم بدورها في محاسبة الحكومة الإسرائيلية على جرائم الحرب التي ترتكبها في فلسطين وعلى العقاب الجماعي الذي تمارسه على شعب غزة المحاصر».

وكان اجتماع التخطيط لإطلاق المبادرة الجديدة قد وضع خطة عمل للفترة المقبلة تتضمن تنظيم فلوتيلا كبيرة في 2018، مشدداً على أن الحركة لن تكل ولن تمل طالما بقي قائماً الحصار على غزة، وهي تلتزم في مبادراتها القرارات والقوانين الدولية (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 242، واتفاقية جنيف الرابعة، وقوانين البحار الدولية). وعلاوة على المروحة الواسعة للحركات المنضوية في «تنسيقية فلوتيلا الحرية» (ومنها ما هو من بلدان أوروبية مختلفة، ومن الفيليبين واليابان، ومن افريقيا الجنوبية، واستراليا وأنحاء مختلفة من الأميركتين الخ…)، فتدعم سفينة النساء جمعيات وحركات ليست أصلاً في تلك التنسيقية، منها «تحالف النساء من أجل السلام» (إسرائيل) و «كود بينك» (الولايات المتحدة الأميركية)، و «تنسيقية التضامن مع فلسطين» (المكسيك)، و «فيديرالية نساء كيبيك» (كندا) و «منتدى السياسات النسوية» (اسبانيا).

وكما في كل مناسبة مشابهة، فالغاية ليست في إنجاز المبادرة بذاتها فحسب، بل في الدينامية التي تطلقها: قبل، وفي الأثناء، وبعد…

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير