يرى كثيرون أن نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، هي التحدي الأكبر أمام الدولة بشكل عام، والهيئة المستقلة للانتخابات.
ومجاراة لهذا الرأي أخذت الهيئة المستقلة ومؤسسات حكومية على عاتقها تنظيم حملات إعلامية لتحفيز الناخبين على المشاركة، ورصدت لذلك مبالغ مالية، وجندت وسائل إعلام حكومية للقيام بهذا الدور.
وهذا التقليد ليس جديدا في الأردن؛ فلطالما تصرفت مؤسسات الدولة بروح أبوية، تفرض عليها مسؤولية وواجب جلب الناخبين لصناديق الاقتراع.
وفي بعض الحالات، كانت جهات رسمية، وتحت ضغط نسبة المشاركة، تتورط في ممارسات غير قانونية لرفع نسبة المشاركة، والتلاعب بأعداد المقترعين، وتجاوز ما تم تسجيله من نسب سابقة، باعتبار المشاركة هي المعيار الأهم لشرعية المجلس المنتخب.
وفي اعتقادي أن هذا الدور وإن كان يأتي في سياق إيجابي أحيانا، إلا انه خارج اختصاص تلك الجهات والهيئات.
في عموم البلدان الديمقراطية، تقتصر مهمة الهيئات الانتخابية على تنظيم انتخابات وفق القانون، وضمان تطبيق الإجراءات المنصوص عليها، وتسهيل مهمة الناخبين في الوصول إلى صناديق الاقتراع، وإعلان النتائج.
الهيئة المستقلة في الأردن تقوم بكل ذلك، واستعدادا للانتخابات المقبلة عملت الهيئة على تطوير إجراءات العملية الانتخابية، لضمان أكبر قدر ممكن من النزاهة والشفافية، وقطع الطريق على محاولات التلاعب بإرادة الناخبين، وتبديد القلق المشروع لدى جمهور، عانى سابقا من ممارسات رسمية وأهلية أضرت كثيرا بنزاهة الانتخابات، وأوصلت للبرلمان نوابا لايمثلون سوى أنفسهم ومصالحهم.
هذه هي مهمة الهيئة المستقلة، أما نسب المشاركة، فهي مسؤولية القوى السياسية والمرشحين، ومؤسسات المجتمع المدني المعنية مباشرة بالبرلمان.
الأحزاب والتيارات السياسية، والجماعات المنظمة المعنية بالوصول إلى البرلمان وتحقيق الأغلبية، والتأثير بصناعة القرار، وتشكيل الحكومة، هي صاحبة المصلحة في جلب أكبر عدد ممكن من مناصريها لصناديق الاقتراع.
من يتابع الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية، سيلمس ذلك بوضوح؛ فالأحزاب تحشد مناصريها في مهرجانات انتخابية، وتلجأ لكل الوسائل الإعلامية المتاحة لإقناعهم بالتصويت. ويوم الاقتراع، توظف كل طاقاتها لضمان مشاركة الجميع.
قبل سنوات حظيت بفرصة متابعة الانتخابات التشريعية في ألمانيا عن كثب. لم أسمع صوتا للحكومة، ولم نشاهد لوحة إعلانية للهيئة المعنية بالانتخابات. الأحزاب السياسية وحدها من يقوم بالدعاية، وتحشد جمهورها في مراكز الاقتراع.
ولا أعلم حتى الآن لماذا تصر مؤسسات الدولة على تحمل مسؤوليات جهات أخرى، وتشغل نفسها فيما لا يعنيها. أذكر في انتخابات 2010 كيف حبست الحكومة أنفاسها، وهي تتابع اللحظات الأخيرة من عملية التصويت، لتضمن تجاوز نسبة المقترعين حاجز الخمسين بالمائة.
وفي كثير من الحالات كانت تلجأ إلى تمديد ساعات الاقتراع، لرفع نسبة المشاركة، مع أن ذلك ليس من موجبات التمديد في القانون. وفي انتخابات 2007 استغلت فترة التمديد لحشو الصناديق برزم من أوراق الاقتراع؛ يعني تزويرها.
مسؤولية الهيئة ومؤسسات الدولة من بعدها ضمان نزاهة الانتخابات فقط لاغير، أما نسبة المشاركة فهي مسؤولية المرشحين؛ أحزابا وأفرادا، ومعهم جمهور الناخبين.