عروبة الإخباري – ناقش اللقاء الفكري لمنتدى الفكر العربي مساء أمس الثلاثاء “تحولات الخريطة السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية خلال العامين القادمين” من خلال قراءة مستقبلية قدّمها الأستاذ جواد الحمد مدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن وعضو المنتدى، و د. نادية سعد الدين الكاتبة الصحفية والأكاديمية ومدير تحرير في صحيفة “الغد” الأردنية.
أدار اللقاء د. محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى، الذي قدم للقاء بكلمة أشار فيها إلى أن المنتدى معنيّ في ضوء رسالته وأهدافه ببحث الجوانب المختلفة للقضايا العربية الأساسية، وخاصة التي تمسّ الواقع الراهن والمستقبل على المدى القريب والمتوسط، وضمن إطار لبلورة رؤية فكرية عربية في الدراسات المستقبلية المتعلقة بالشؤون العربية والإقليمية والدولية.
كلمة د. محمد أبو حمور
في كلمته أوضح د. محمد أبو حمور أن القراءة المستقبلية لتحولات الخريطة العربية في المدى المنظور تنطلق من قراءة التحولات التي حدثت خلال مرحلة الربيع العربي، ثم مرحلة ما يمكن أن يعتبر انقلاباً على هذا الربيع، وتداعيات المرحلة الحالية التي نعيشها. وأشار إلى أن هناك الكثير من التحليلات ووجهات النظر المتشعبة الاتجاهات حول مستقبل خريطة المنطقة، وهناك أيضاً أحاديث عن سايكس- بيكو آخر أكثر سوءاً من سابقه منذ مئة عام، وأحاديث ومواقف وتكهنات حول ما ستؤول إليه أوضاع الأزمات والنزاعات القائمة حالياً من تغيّرات على الأرض وفي طبيعة التقسيمات والتحالفات المقبلة والخريطة القادمة.
وقال د. أبو حمور إن المشهد بحد ذاته ضبابيّ ومتشابك إلى حد كبير، وهناك أجندات ومشاريع إقليمية ودولية تتنافس وتتعاون في نفس الوقت على رسم تلك الخريطة، وهناك لاعبين برزوا على الساحة من غير الدول كجماعات التطرف والإرهاب الذين أوجدوا حالة من الاحترابات الدموية والعنف والصراعات العرقية والمذهبية والطائفية، التي بدأت معها ما سماه البعض “تحرُّك الحدود الجغرافية”. وكل ذلك يدعونا إلى طرح السؤال: أين نحن العرب من كل هذا؟ هل الآخرون إقليمياً ودولياً يعملون في منطقتنا ونحن ننتظر؟ ما هي إمكانات ألا نكون جزءاً من خطط الآخرين ونخطط لمستقبلنا بأنفسنا؟
وأضاف د. أبو حمور أن السؤال في وسط الأزمات دائماً ما يكون صعباً، لكنه ضروري، والبحث عن طريق وسط هذا الضباب ربما أصعب، لكن لا بد منه حتى لا يختار لنا الآخرون طريقاً هو في النهاية يخدم مصالحهم ويؤدي بنا إلى الضياع والتلاشي، وأن دور مؤسسات الفكر والمثقفين العرب أن يستمروا في طرح السؤال وإجراء التحليل والمحاولة من أجل الفهم وبلورة الرؤية والتوعية. وفي الوقت الذي بدأت القوى الكبرى في العالم تعيد هيكلة العلاقات بينها على أساس مبدأ التعاون والمصالح المشتركة، وتشهد تحولات استراتيجية، دخلت المنطقة العربية في منعطف من الأزمات والاضطرابات الداخلية، انتجت حالة من الضعف الداخلي والتراجعات الخطيرة، وتحولت مع حالة عدم التوافق في مجمل النظام العربي، إلى كتلة من الفوضى والتخبط، أصابت الاستقرار والأمن، وأعاقت جهود التحديث والإصلاح، والأخطر زيادة التباعد بين أجزاء الوطن العربي، وتفشي عوامل التشرذم والفُرقة.
وأكد د. أبو حمور أنه ما تزال هناك بعض الفرص في الأفق لاستعادة المبادرة العربية في انتشال الأمّة من هذا الغرق، مما يدعو إلى البحث في الكيفية التي تمكننا من استثمار هذه الفرص وبعث الأمل، وتوفير الشروط الموضوعية لتجميع الإمكانات، وتصحيح المسارات، وتعزيز المصالح العربية المشتركة، التي هي مصالح الشعوب العربية أولاً وآخراً، وأساس وحدة الأمّة وبقائها.
ورقة الأستاذ جواد الحمد
تحدث الأستاذ جواد الحمد في مداخلته عن فرص تشكل الخريطة السياسية والاجتماعية في العالم العربي على صعيد القوى الاجتماعية والسياسية الشعبية للعامين القادمين ومحدداتها وشكلها، مقدماً قراءة لطبيعة التحولات التي حصلت لهذه الخريطة خلال مراحل ثلاث سابقة ، الأولى: خلال الربيع العربي، والثانية بعد الانقلاب على الربيع، والثالثة عبر المشهد العربي القائم حالياً.
كما أبرز الحمد التحولات الأساسية التي أصابت تلك القوى والتي من المتوقع أن تصيبها، والتي يتمثل أهمها في القوى الإسلامية المعتدلة، والقوى القومية واليسارية والعلمانية، والقوى الليبرالية الوطنية، وقوى التيارات العنفية المتطرفة والإرهابية، حيث ناقش دورها ومستقبلها السياسي في الوطن العربي، وخاصة في دول الربيع العربي الأساسية.
واستقرأ الحمد أبرز العوامل المؤثرة على الحركة التاريخية لتحولات مواقع ومواضع هذه القوى على الخريطة السياسية والاجتماعية لهذه الفترات، كما تناول المحددات الحاكمة لمستقبلها خلال السنوات 2016-2018، مؤشراً على مآلات العوامل المشكلة للواقع اليوم خلال الفترة القادمة، وأدوار هذه القوى فيها، وإعادة التموضع المتوقع لهذه القوى وفقها، وبما يؤثر على البنية السياسية للنظام العربي المفترض وعلى علاقاته الإقليمية والدولية المتعددة.
كما قدم استنتاجات أساسية وبعض التوصيات التي رأى أنها تخدم المصالح العليا للأمّة وفق نتائج الدراسة.
ورقة د. نادية سعد الدين
من جهتها قالت د. نادية سعد الدين: إن الأحداث والتفاعلات الجارية في المنطقة العربية، منذ زهاء الخمس سنوات تقريباً، أذكت تحولات في الخريطة السياسية للمنطقة، ومعادلات أمنية جديدة، إزاء تغيّر بنية القوة بين فواعل النظام، و”تقلبّ” أنماط التحالفات البينيّة، واتساع نطاق صراعاتها وأزماتها البنيوّية العميقة، وتنامي أدوار فواعل إقليمية، متضاربّة المنافع حيناً حدّ الخصومة، ومتنافسة حول مكانة “الدولة المركزية”، مع غياب الإطار الجمعيّ القادر على حل الخلافات وضبّطها، وارتفاع منسوبّ الاختراق الخارجي داخل ساحته، على حسابّ تهدئة الأوضاع وتسوّية الصراعات، مما راكمّ أزمات مضاعفة في المنطقة، ما يعني، في المحصلة، السيّر بالمنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار.
وأضافت د. نادية سعد الدين أن ذلك يأتي في ظل تدخل القوى الدولية الكبرى في المنطقة؛ وفي ظل التوزّع المتغير للقوة العالمية، ضمن مسار قد يأذن بنهاية، أو سقوط، نظام دولي قديم نحو تبلور آخر جديد لن تستقر ملامحه أو تتضح قواعده إلا بعد فترة من الزمن، ومن المرجح استمرار عدم الاستقرار في النظام الإقليمي العربي، حيث تحتاج عملية التغيير والإصلاح المنشودة وعودة الاستقرار للمنطقة إلى سقف زمني، يقدره خبراء بقرابة 5 – 7 سنوات على الأقل، وأحياناً من عشر إلى خمسة عشر؛ مشيرة إلى أن التحول لمتغيرات القوى الدولية سيقود إلى تغير في أدوات إدارة التنافس على المنطقة.
وأوضحت أنه أمام تفكك أواصر العالم العربي وتفشيّ بؤر ثغراته العميقة، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ستبقى تنظيمات مسلحة متطرفة، مثل “داعش” التي لا مستقبل لها، تتغلغل بين ثنايا الفراغ، بينما ستستمر حملات محاربة الإرهاب، والتي تقودها الولايات المتحدة منذ سنوات، من أجل رسمّ خطوط جيوسياسية جديدة في المنطقة وفق رغبات وخطط خارجية.