عروبة الإخباري – كانت مناسبة رحيل شقيق الرئيس محمود عباس ابو مازن فرصة لمعرفة ما يتمتع به الرئيس في اوساط شعبه في الداخل من تأييد وولاء, فالفلسطينيون لا تخدعهم وسائل الاعلام التي ظلت تلمع صورة الزعيم العربي, فقد خبروا ذلك وتخطوه من خلال المعاناة وحجم التحديات التي واجهوها وما زالوا يواجهونها, وحتى حين كانت بعض الانظمة التي تفتقر الى الشرعية تحاول الاستهانة والقفز عن الحائط الفلسطيني او محاولة استصغار الشأن الوطني الفلسطيني .. كان الشعب الفلسطيني, يدرك بفطرته وتجربته الكفاحية العميقة قيمة ان تكون له قيادة مبصرة تجنبه خطر الانقراض او ان يكون وجبة لالة العدوان الاسرائيلية التي ظلت تستدرج الفلسطيني الى المقصلة وحروب الابادة بين فترة وفترة في حالة استقواء وسط عجزالعالم والعرب عن نصرتهم.
كنت في رام الله وقد وقد شهدت عزاء سيادة الرئيس وذهلت لحجم التدفق الذي شهده الرواق الكبير في قاعة تتسع لاكثر من ثلاثة الاف فرد لم تتوقف عن الاستقبال والتوديع ..
جاءته فلسطين من بحرها الى نهرها ومن جولانها الى نقبها حضراً وفلاحين وبدو .. شخصيات عامة واسرى محررين وجنود. جاءه التنظيم الذي احسن التنظيم وسير الراغبين في المواساة, وإعادة مبايعة الرئيس في لحظة حزينة .. فقد أدرك الفلسطينيون ان رئيسهم يحقن دمائهم المطلوب أن تسفح في كل يوم دون أن تزرع في الارض أو تعطي ثمارها.
جاءته فلسطين من كل فج عميق .. مسلموها ومسيحييوها ودروزها وشراكستها .. بدوها وحضرها .. جاءته تقول له “البقية في حياتك لتكون حياتنا باقية” .. قدنا إلى برّ الأمان, إلى حيث تظل البذرة الكفاحية الفلسطينية صلبة لاتقتلع وتظل جذوة النضال متّقدة لايسهل إطفاؤها.
كنت أرى فلسطين وقد جاءت إلى رام الله, وقصدت موقع الرئاسة وهي تمر بضريح القائد العظيم ياسر عرفات مؤكداة له انها ما زالت تتمسك بخلفه وانها ما زالت تؤكد على الشرعية وترفض الانقلاب والمغامرة والتبعية للخارجي.
يمسك الرئيس أبو مازن على قناعاته في تجنب شعبه ويلات الدمار وبطش الحركة الصهيونية, وانفرادها بالشعب الفلسطيني, في زمن الغفوة العربية وسكرة العالم بالإرهاب يمسك إمساك المؤمن على الجمر. ويرى أن للصمود زمناً وللبندقية زمناً وأن للصيف مواسمه, وللشتاء مايلزم وهو لاينزل الليل منزلة النهار ولا العكس. وأن الإستفزاز الصهيوني المتواصل بكل أساليبه, لايجوز ان يقود شعبنا إلى الفناء وإدخاله أنفاق الإختناق والحصار المجاني والعيش في سراديب الظلام وانقطاع الكهرباء دون أن يكون لذلك ثمن.
لقد جرى أختبار شعبنا في مواسم الكفاح المسلح فأبلى، وجرى اختباره في مواسم البناء والعطاء والحوار فقدم الكثير وتقدم بقضيتة وهو يدرك بحكم بصيرته متى عليه أن يقاتل, ومتى عليه أن يعارض, وكيف عليه ان يعلم أبناءُه وأن يمكنهم من أن يأخذوا مكانتهم في المسيرة الكفاحية الطويلة التي لاتعكسها البنادق وإنما كل عمل نضالي من الصمود اولاً ومروراً بكل اشكال التمكين والإعمار والبناء وترجمة الهوية الوطنية لشعب حيّ جدير بالحياة.
لم يسق الشعب الفلسطيني في تعبيراته الحية التي أمت موقع العزاء, في رام الله بالهراوات او الأوامر أو بالعنف, وإنما جاء بقناعاته الراسخة ان هذه القيادة الوارثة للكفاح مازالت مخلصة لهذا التراث الممتد منذ انطلاق رصاصة 1965 الفتحاوية حتى اليوم وأن جذوة الكفاح في هذا الشعب لم تنطفئ وان خبت في مراحل تاريخية في مسيرة حوالي قرن ونصف منذ قاوم الفلاح الفلسطيني اول مستوطنة عام 1882 في منطقة نابلس (ملبس).
يمتلك ابو مازن نفساً طويلاً وصبراً عميقاً وإرادة صلبة حيّرت حتى أعداءه الذين عملوا كل مافي وسعهم لاستفزازه وثنيه عن أهدافه وقد استعملوا أساليبهم وأساليب إخوان يوسف حين عجزوا ليضعوا له العصي في دولاب الحركة السياسية الفلسطينية التي ارادت العالم نصيراً وحكماً منذ توجه الرئيس للأمم المتحدة ومنظماتها. وحين كانت النخوة العربية تُغَيّب عن شعبنا وتحضر فقط لتمنع ممثليه من طلب نصره العالم له.
كانت لحظات صبر ومكابدة عاشها الرئيس ابو مازن لفقد شقيقه, ولكنها ايضاً كانت لحظات قراءة عميقة. والرئيس يجري تجديد وبيعة شعبه له وإصراره على مواصلة المسيرة معه وخلفه.
لم يكن الرئيس يتوقع ان تتدفق الجماهير الفلسطينية إلى دار الرئاسة بكل هذه الآلاف عبر حواجز الإحتلال والطرقات المغلقة وحتى غزة المحاصرة، فالفلسطينيون أدمنوا سلوك النمل وبرامجه وأتقان حرفته كما أدمنوا أن تظل جذوة كفاحهم مشتعلة كنار المجوس وأن تظل عزيمتهم عزيمة الزيتون في استمرار الحياة.
الرهانات الإسرائيلية مهما بدت رابحة, ومهما زين الإحتلال لنفسه أنه ينال في هذه اللحظات العربية الصعبة من إرادة الفلسطيني فإنه لن يفلح. والرئيس ابو مازن الذي خصص يوم أول آب أغسطس من كل عام لحرية التعبير والدفاع عنها سبق زعماء العالم في كذلك فهو لايخشى حرية التعبير التي كان يسميها عرفات “ديمقراطية سكر زيادة” .العيش في غابة البنادق”، بل انه كان معروفاً أيضاً بصلابته في كامب ديفيد من قضية المساومة على القدس. وهو لم يقدم تنازلات ولن يقدم في حياته كما أدرك وأحس. وهو يرى انه لن يُسَلِّم الراية للتطرف والمغامرين والذين يبيعون الشعارات او يستخدمون الإسلام كوصفات جاهزة لم يختبر أحد تركيبتها.
يؤمن أبو مازن كما عرفته بالديمقراطية وقد دفع ثمن إيمانه بها حين رفض تعطيل نتائج الصناديق في آخر انتخابات فلسطينية شاملة ودافع عنها ليؤكد أن طريق الشعب الفلسطيني هي طريق الحرية وطريق الإنتخابات ولذا قبل النتائج ودفع ثمنها والذين خرجوا يومها من بيض الديمقراطية التي أسس مناخاتها انقلبوا إلى ثعابين فقد توهم الشعب لحظة تفقيس البيض ظناً ان ما سيخرخ هو حمام فإذا به حيات تسعى.
لم ييأس الرئيس ابو مازن ولم ينقلب على الديموقراطية وصندوق الاقتراع في الوصفة التي ظل يكتبها في كل روشيتة وما زال وهو يدعو اليوم مجدداً ان سبيل الخروج من الانقلاب والانقسام الذي احدثه من صعدوا على السلم ثم نشروه بمنشار,, الصراع على السلطة هو العودة الى الانتخابات المحلية بلدية وتشريعية وحتى رئاسية ..
ابو مازن لا يخشى الديموقراطية التي يخشاها خفافيش الظلام خشية النور الذي يعميهم بعد ادمان التقية والكيد والتآمر ..
لدينا نموذجان الضفة والقطاع ,, هل نريد قطاع غزة ان يصبح كالضفة الغربية ام نريد الضفة الغربية ان تصبح كقطاع غزة باستعمال مسميات ما انزل الله بها من سلطان .
من حق شعبنا ان لا يكون محاصراً ومن حقه ان يكون حراً وان يقرر حق تقرير مصيره وعلى الذين تاجروا في حريته ان يتوقفوا بعد ان اصبح قطاع غزة اكبر سجن عرفه التاريخ وظل شعبنا فيه يعيش من تجارة الانفاق التي ارهقته لسنوات برسومها وجماركها وضريبة الخمس التي يدفعها لمن يحكمون في القطاع معتقدين انهم الامارة الاسلامية التي سترفع رايات الامة من المغرب الى اندونيسيا ,,
كنت لا اريد ان اكتب فيما هو ابعد من الانطباع الذي حملته بعد ان حضرت العزاء . ولكني احسست كم يخذل الخارجون عن الشرعية والمستعملين لادواتها شعبنا ويكرسون تمزيقه ..
اليوم هناك دعوة صادقة من الرئيس ابو مازن لاعادة اللحمة لمسيرة شعبنا وكيانه وهويته وكفاحه عبر صناديق الاقتراع واذا كان الانقلابيون ما زالوا يصرون على حصد ثمار انقلابهم ببقاء الجرح الفلسطيني نازفاً او متحولاً الى صديد فان دعوة الرئيس للانتخابات تسحب البساط من تحت اقدامهم .. والا فان التحدي هو امام شعبنا ليجبرهم على الانصياع لارادته في تصفية الانقسام واعادة بناء الوحدة الوطنية .
الرهان الان على شعبنا .. على شعبنا في غزة فما زال لديه الكثير ليقول ويفضح استمرار مؤامرة الانقلاب والتقسيم مهما طال الزمن ..