خلال السنوات القليلة الماضية، استطاع الاقتصاد الأردني التكيف مع المعطيات الصعبة محليا وإقليميا، ما مكّنه من تجاوز مراحل مختلفة قاسية. فلم نشهد مصيرا مرعبا كمصير اليونان، كما حذرنا وزير مالية سابق؛ ولم يتأثر الدينار على النحو الذي يحدث للجنيه المصري اليوم، بل ثبتت قيمة العملة الوطنية بسبب السياسات الحكيمة في إدارة الملف النقدي.
سنوات قاسية عَبَرها الاقتصاد. لكن ذلك لا يعني أن التهديدات زالت، بل تعمقت المشاكل أكثر. إذ زادت معدلات الفقر، رغم غياب الاعتراف الرسمي بذلك؛ وقفزت معدلات البطالة، رغم أن حملات التشغيل في عهد الحكومة السابقة كان يفترض أن تُحدِث أثرا إيجابيا، لا ندري أين هو، وأين نتائج كل تلك “البروباغاندا”!
كذلك، لم يرتفع مستوى المداخيل كثيرا، فبقيت معدلات الدخل الشهري منخفضة جدا، بشهادة أرقام مؤسسة الضمان الاجتماعي والإحصاءات الرسمية؛ تبعا لمعدلات الأجور الخاضعة للضمان، ونتائج مسح دخل ونفقات الأسرة.
بالتأكيد، ساعد انخفاض أسعار النفط عالمياً على التخفيف من قسوة تلك السنوات، فانخفضت فاتورة المستوردات بأكثر من مليار دينار. لكن الغريب أن ذلك لم ينعكس أبدا على عجز ميزان المدفوعات الذي تفاقم، وبما يؤشر إلى نمط استهلاكي كارثي عند الأردنيين، لا ينسجم والمعطيات الصعبة لأوضاع الناس عموماً.
أيضاً، أسعفت المنح الإضافية، في الفترة السابقة ذاتها، خزينة الحكومات، بأن فتحت لها بابا للإنفاق الرأسمالي وخفض عجز الموازنة. في هذا السياق، مثلت المنحة الخليجية تحديداً عونا كبيرا، بحجمها البالغ 5 مليارات بمعدل مليار دولار سنويا، تسلم منها الأردن 750 مليون دولار سنويا؛ إذ لم تلتزم دولة قطر بتعهداتها، فلم تدفع فلساً واحداً مع انقضاء مدة المنحة.
الشق الآخر في ملف المساعدات التي أسعفت الاقتصاد، يتمثل في المنح الأميركية الكبيرة للأردن؛ من خلال المنح المالية المباشرة التي تتراوح بين مليار و1.25 مليار دولار سنويا، إضافة إلى بند كفالة القروض في الأسواق العالمية بأسعار فوائد منخفضة. وهذا الدعم معلن استمراره من قبل الجانب الأميركي خلال السنوات المقبلة، بعكس مصير تجديد المنحة الخليجية غير المعروف لغاية الآن.
ومن ثم، لا يبدو أن ثمة مساعدات استثنائية ستأتي من أي طرف كان تنتشل الأردن من وضعه المالي الصعب؛ فالمنح غير المستردة المتدفقة باتت معروفة المصادر، وتمثل في نافذتين اثنتين فقط.
القصد من السرد السابق هو القول إن عوامل النجاة المالية خلال الفترة الماضية، كانت خارجية، لم تعتمد بالمطلق على السياسات الحكومية التي بالغت كثيرا في تنفيذ سياسات جبائية لرفد الخزينة بالموارد. وقد ساعدها على ذلك المزاج الشعبي الحريص على تمرير المرحلة القاسية.
لكن بعد كل هذه السنوات، يبقى الاقتصاد هو موطن الألم والأزمة الفعلي، كون الملف السياسي يبدو أقل تعقيدا، ومرتبطا بإرادة عليا للإصلاح، وها هي الانتخابات النيابية ستجرى بعد مدة قصيرة وفق قانون نال رضا عاماً، أقله لأنه خلّصنا من قانون “الصوت الواحد” المعوق.
تبعاً لذلك، يكون الاقتصاد هو الامتحان الأصعب لأي حكومة. وبالنسبة لحكومة د. هاني الملقي، فإنها تمتلك أكثر من أداة للتعاطي مع هذا الامتحان. أولاها والأساسية بينها، فريق الحكومة الاقتصادي. وهناك أيضاً أداة لم تتوفر لغيرها من الحكومات، هي مجلس السياسات الاقتصادية الذي يهدف إلى دعم العمل في هذا المجال.
يضاف إلى ذلك الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، الذي يفترض أن يحسّن المؤشرات، بحيث تتجاوز المؤسسة الدولية إخفاقها في تحقيق أهداف برنامج التصحيح الاقتصادي السابق، حين تراجعت المؤشرات المستهدفة بدلا من أن تتحسن!
ربما يفترض بالحكومة أن تدرس جيدا كل ما لديها، لتضع برنامج إصلاح اقتصادي وطني، ينضوي كل ما سبق تحت مظلته، ويُشعر المواطن الأردني أخيرا بتحسن وضعه المعيشي. فهل ذلك ممكن؟ إذ إن انتظار الناس طال، وحتى متى سينتظرون؟