الحديث عن المرأة وحقوقها حكاية شرحها يطول لأن تفاصيلها متشعبة بين الشرع والقانون والعرف والموروث الاجتماعي والمعقول واللا معقول، كلها بالطبع قابلة للأخذ والعطاء والنقاش ما عدا ما أنزل الله فيه حكماً شرعياً غير قابل لفلسفة البشر وتأويلهم واعتراضهم.
لذلك فالنساء في كنف شريعة الله مكرمات حيث جعل لهن سبحانه مثل ما للرجل من حقوق وضع لهن حرمات يجب أن تراعى، وسن ضوابط شرعية تحميهن من الظلم والجور والتعدي وهدم حصون الحقوق، بل إن دين الله عز وجل جعل للمرأة حقوقاً تميز النساء وتجعل لهن فضلاً أكبر من الرجل وحقوقاً أكثر متى ما أصبحت المرأة أماً، ابتداء من تسليط الضوء على مشقة الأم في حملها وولادتها وتربية أبنائها في القران الكريم: (حملته أمه وهناً على وهن … الآية) إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك)، وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تنتصر للمرأة وتحذر من التعدي على حقوقها أو تعمد أذيتها، إذاً فمشكلتنا ليست مع الشرع الذي أنصف المرأة وكرم الأم وتنزه عن الظلم أو القصور أو الخطأ، فأين المشكلة إذاً؟
المشكلة الحقيقية تكمن في تعامل المجتمع مع المرأة وخوفه المبالغ فيه عليها ومنها، الذي جعله يضع في طريق حصولها على حقوقها الشرعية والإنسانية مئات من العراقيل والحواجز التي تعوقها فتكسرها.
بنات اليوم، أمهات المستقبل والحاضر حبالى الأحلام غالباً من تُسقط أمانيهن وتزهق أرواح طموحهن، إما بإجهاض تفوق علمي أو ببيروقراطية تشريعات عملية تجعل حياتها أصعب بكثير مما يجب أن تكون عليه! وليت المشكلة تنتهي هنا لهان الأمر!
ولكن لو تكلمنا بشكل سريع عن وضع المطلقات بصفة عامة وفي المحاكم بصفة خاصة، ولو تحدث عن عذابها وهوانها بين أروقتها!
لوجدنا أن الأمر فعلاً مخجل فهي في عذاب بين ظلم رجل تضطر أن تحرم من الحياة لأجل نزواته، التي تحرك شهوة الانتقام منها لديه، لأنها لم تعد قادرة على إكمال الحياة معه، وبين تعنت بعض القضاة ونزوات زوج أراد الانتقام، وغياب قانون عام ثابت لا يخضع لرؤية القاضي الشخصية، وبين تخييرها بين أولادها وبين بدء حياة أخرى والزواج من جديد، فإما هذا أو ذلك، ولا حل بينها يجعلها على قيد التعامل الإنساني مع روح تنبض بالحياة، فإن اختارت حياة جديدة في ظل رجل يفرض عليها المجتمع وصايته بكل شيء خسرت أولادها! وإن اختارت أولادها تجرعت المر وشربته علقماً، لأنها تكون مجرد حضن وسكن يحتويهم، ولكن لا يتم أي شيء من أمور حياتهم، ولا يتيسر أياً من أمور المعيشة الروتينية التي تتطلبها الحياة اليومية إلا بموافقة ولي الأمر، الذي قد يكون لا ينفق ولا يرعى ولا يربي ولا يعرف عن أولاده إلا أنهم الوسيلة التي ينتقم بها من أمهم ويحرمها من خلالهم الحياة!
فما الحل إذاً؟
قد نجد الحلول في مجلس شؤون الأسرة الذي أُقر أخيراً، الذي يجب أن يكون له دور فعال في تنظيم شؤون المرأة، وانتشالهن من دوامة المسؤوليات بلا حقوق تذكر إلا تنظيراً.
يجب أن يعمل هذا المجلس بجد وإخلاص وضمير حي، ليعيد النظر في أمور تجر المرأة إلى أعماق القهر كصلاحيات ولي الأمر، وضبط الأحكام المتعلقة بالمطلقات والأرامل والمعنفات في المحاكم، وسرعة البت فيها والنظر بقضاياهن بشكل ينتصر لهن ويدفع الضرر عنهن، وإيجاد قوانين صارمة تنظم علاقة أبناء الطلاق بأمهم وأبيهم بحيث لا تسمح لأحد الطرفين أن يستغلهم كوسيلة ضغط وانتقام يستغلها ضد الطرف الآخر، ليت المجلس أيضاً ينظر بسفر الأبناء مع أمهم أو أي محرم لهم ما داموا بحضانتها وهي من يتكفل بهم مادياً ومعنوياً، في ظل غياب الأب طوعاً واختياراً وتنصله من مسؤوليتهم تنصلاً كاملاً.
الكلام عن معاناة المرأة يطول، واختصاره أننا نأمل من مجلس الأسرة أن يراعي إنسانيتها بحيث لا تفقد كينونتها وتحرم من أبسط حقوقها ضعفاً وهواناً، وأن تفتح لها أبواب حلول عملية لمشكلاتها هي وأبنائها أكثر فعالية من ثرثرة الصبر والاحتساب، وأن تمنح حقوقها التي شرعها رب العالمين وسلبها منها المجتمع بحجة الخوف عليها، ليتهم يفعلون كل هذا قبل أن يفيض بها الكمد وتتوحد بها الأمراض، وما من ذنب لها إلا أنها أم تفعل أي شيء لتعيش هي وصغارها بكرامة.