عروبة الإخباري – استضاف منتدى الفكر العربي في لقائه مساء الثلاثاء 2/8/2016، الدكتور صلاح جرار أستاذ الأدب العربي والأندلسي في الجامعة الأردنية، في محاضرة بعنوان “شخصية المرأة الأندلسية الشاعرة في السياق الحضاري الأندلسي”، بحضور أكاديميين ودبلوماسيين وإعلاميين ومعنيين بالدراسات الأندلسية. وأدار اللقاء الدكتور محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى.
كلمة د. محمد أبو حمور
أشار الدكتور محمد أبو حمور في كلمته التقديمية للقاء إلى أن الأدب يعد مصدراً من مصادر دراسة تطور أي مجتمع، وانعكاس لتيارات الفكر وصور الحياة الاجتماعية، وأن الإبداع أحد ركائز الارتقاء الحضاري.
وأضاف الدكتور أبو حمور أن التجربة الحضارية للمجتمع الأندلسي ما تزال موضع اهتمام عالمي، بما شكلته من نموذجٍ للتنوّع الثقافي في إطار وحدة الحضارة والثقافة العربية والإسلامية، وفي إقامة جسور الثقافة والفكر بين الشرق والغرب، ومساهمتها في نهضة أوروبا في العصور الحديثة، كما أن هذه التجربة تعد رافداً وملهماً لرؤى تتعلق بمشكلات معاصرة، من خلال ما شهدته التجربة الأندلسية من صور حرية الفكر والإبداع، والتعددية الثقافية، والتعايش بين أتباع الديانات السماوية، والانفتاح على الآخر وثقافته، والحوار بين الفلاسفة.
وقال الدكتور أبو حمور: إن التجربة التاريخية في الأندلس تعطينا من جانب آخر عِبر وعظات عما تؤول إليه الدول حين تعلو أصوات الفتن وطبول الحروب والنزاعات فوق صوت العقل والحكمة والإبداع؛ موضحاً أن الأندلس الفكر والحضارة والتاريخ تظل مشروع قراءة متجددة في الأفق العربي والإنساني؛ مؤكداً أن ما يكشفه الدكتور صلاح جرار من واقع خبراته الطويلة في دراسات أدب وتاريخ الأندلس، عن دور المرأة الأندلسية في الفكر والإبداع الشعري والعلوم وفي الحياة العامة هو جزء من التراث الحضاري للمرأة العربية والمسلمة، ينبغي النظر إليه باهتمام والاستفادة منه في تصحيح المفاهيم والصور المشوهة والمغلوطة لدور المرأة في التقدم الاجتماعي، واحترام عقلها وكينونتها الإنسانية ودورها الحضاري.
محاضرة أ.د. صلاح جرار
في محاضرته، بيّن الدكتور صلاح جرار أن هناك مصادر كثيرة للتعرف على شخصية المرأة الأندلسية، مثل كتب التاريخ الأندلسيّ وكتب الأدب وكتب الفقه في الأندلس، وما وصفها به الشعراء، وما ورد عنها من أخبار متفرّقة تتحدث عن سلوكها ولباسها وزينتها وأوصافها الجسمية والخَلقية وغير ذلك، إلاّ أنّ أهمّ مصدر من مصادر التعرّف على تلك الشخصيّة هو ما صدر عنها من أقوالٍ وأشعار، ففي هذه الحالة تظهر لنا المرأة الأندلسيّة وهي كائنٌ نابضٌ بالحياة، على خلاف الصورة التي تظهر لنا فيها من خلال الأخبار، إذ نرى صورتها في تلك الأخبار من خلال وسيط أو طرف ثالث، فلا تبدو الصورة لنا واضحة كما لو كانت حاضرةً بشكل مباشر تتحدث إلينا بما تشعر به وتظهر لنا أفكارها وانفعالاتها وسائر حالاتها الإنسانية.
وأضاف الدكتور جرار أن المرأة الأندلسيّة ظهرت في ميادين الحياة والعمل المختلفة، ربّة منزل ومعلّمة وطبيبة ومتصوّفة وكاتبة وناسخة وخطّاطة وراقصة بالسيوف وشاعرة، حتّى إن الخلفاء في عصر بني أميّة في الأندلس كانوا يتخذون منهنّ كاتبات لهم، وكانت النساء الأندلسيات تطلب الأعمال الديوانية كالذي نجده في شعر حفصة الركونية. وأشار إلى أن كتب الأدب و التراجم الأندلسيّة تحدثت عن نحو سبع وعشرين شاعرة، أشهرهنّ ولاّدة بنت المستكفي، ونزهون بنت القلاعي الغرناطية، وحفصة بنت الحاج الركونيّة، ونُضار بنت أبي حيّان الغرناطي.
وممّا يلفت النظر في سير تلك الشاعرات اختلاطهنّ بالرجال وبأقرانهنّ من الشعراء،وكان لبعضهن مجلسٌ أدبيّ يرتاده الأدباء والكتاب من أنحاء الأندلس وتجري فيه مساجلات أدبيّة ومطارحات نقدية، كما كان للشاعرات حضور في المجالس الأدبية التي يعقدها الشعراء الرجال حتى في منازلهم.
ويكشف شعر المرأة الأندلسيّة بوضوح عن جوانب من حياتها وشخصيتها ولا سيّما جرأتها وتحرّرها واعتدادها برأيها واستقلاليتها، وقدرة على تحدّي المجتمع وإثبات صحّة موقفها كما عند الشاعرة ولادة بنت المستكفي، والشاعرة حفصة بنت الحاج الركونية الغرناطية.وإلى جانب هذا النوع من الشاعرات اللواتي لا يتورعن عن البوح بمشاعرهنّ، ويتمتعن بالجرأة والثقة بالنفس واستقلال الرأي والقرار، فإننا نجد طائفةً أخرى من النساء الشواعر يقلن الشعر في مختلف الأغراض كالمدح والتهنئة والشكوى والتصوّف والمديح النبويّ والفخر والرثاء ووصف الطبيعة، ولكن أيضاً بما يدل على قوة الشخصية والثقة بالنفس وحريّة الفكر والاختيار.
وأورد الدكتور جرار في محاضرته نماذج متعددة من أشعار بعض الشاعرات الأندلسيات تدل على جوانب أخرى من حياتهن في السياق الحضاري الأندلسي. ومن هذه الجوانب الكشف عن تنوّع في ثقافة المرأة الأندلسيّة من خلال الوقوف على إشارات فقهية ودينية وتاريخية وعلمية وفلكية وإدارية ولغوية وغيرها. كما كانت المرأة الأندلسيّة تفخر بعلمها وبجودة خطّها، وذلك من المؤشّرات على رقيّ الحضارة الأندلسيّة.
وأكد الدكتور جرار أن من يتأمّل شعر المرأة الأندلسيّة في موضوعاته المختلفة من مدح وهجاء وفخر ووصف وغزل وغيره، فإنّه يقف على جوانب عديدة من صورة تلك المرأة وشخصيتها وطباعها وأخلاقها ودورها في البناء الحضاري الأندلسيّ، كما يقف بكلّ جلاء على نظرة المجتمع الأندلسيّ للمرأة واحترامه لها ولحرّيتها وشخصيتها؛ مشيراً إلى أن هذه الملامح هي نتيجة لكون الشعر يرقى بوعي صاحبه ويجعله قادراً على مواجهة الحياة بحريّة وثقة، فالشاعر الحقيقي يرى الحياة على صورة تختلف عمّا يراه بها الناس العاديّون، ولذلك نجده يقف من قضايا الحياة مواقف تنسجم مع وعيه ورؤيته.