ينبغي أن نرى الصورة كاملة؛ فما يقال عن أن الانتخابات النيابية هذا العام تشبه سابقاتها، غير منصف على الإطلاق.
لك أن تشير إلى ظاهرة المال السياسي، وشراء الأصوات بطرق ملتوية. لكنّ مثل هذه الممارسات ماثلة في انتخاباتنا منذ عقود، ويمارسها المرشحون من مختلف الاتجاهات. ويمكن القول إنها الصفة المشتركة لانتخابات دول العالم الثالث والديمقراطيات الناشئة، والاختلاف هو في الشكل فقط.
لكنْ ثمة فروق كبيرة في هذه الانتخابات مقارنة مع سابقاتها. القوى السياسية والحزبية من مختلف الاتجاهات، تشارك بقوة في الانتخابات؛ الإسلاميون بمختلف تياراتهم، الأحزاب اليسارية والقومية، والأحزاب الوسطية. شخصيات ووجوه سياسية ونقابية معروفة، ونساء وازنات في الحياة العامة. نواب سابقون مشهود لهم. حركات مدنية طالما نأت بنفسها عن الانتخابات، تتحرك هذه المرة بهمة ونشاط. صحفيون ورجال أعمال ووجهاء قرروا دخول المعترك الانتخابي.
منذ ربع قرن تقريبا لم نشهد هذا التنوع الواسع في القوى المشاركة. عمليا، لا يوجد تيار مقاطعة منظم، كما كانت الحال في انتخابات سابقة.
على الجانب الآخر، منح القانون لفئات عمرية لم يسبق لها المشاركة أن تمارس حقها في الانتخاب، ما زاد من قاعدة المصوتين لتشمل كل مواطن أردني بالغ مسجل في لوائح الأحوال المدنية.
صحيح أن النظام الانتخابي مربك للمرشحين الذين يواجهون صعوبات جمة في تشكيل القوائم. لكن هذا أمر متوقع بالنظر إلى حداثة التجربة مع نظام انتخابي لم يجرب من قبل.
عند اقتراب موعد الاقتراع، سنكتشف الميزات الإيجابية في النظام؛ فهو للمرة الأولى يمنح الناخب حق الانتخاب على أساس البرامج المطروحة من طرف القوائم. ومع تكبير الدوائر، يقدم النظام الانتخابي للمواطنين قائمة واسعة من الخيارات، بما يتفق مع توجهاتهم وقناعاتهم؛ قوائم لاتجاهات يسارية وإسلامية ووسطية، وتشكيلة من الشخصيات العامة المجربة في العمل العام.
لم تكن مثل هذه الخيارات متاحة للناخبين في ظل قانون الصوت الواحد المجزوء، ونظام الدوائر الانتخابية الصغيرة التي تحشر الناخب في دائرة ضيقة، لا يجد معها فرصة سوى اختيار ابن العشيرة أو مرشح المقاولات.
الانطباع السائد حاليا يفيد بأن أغلبية الرأي العام غير مكترثة بالانتخابات، وفئة المترددين بالمشاركة هي الأوسع. لن يستقر الوضع على هذه الحال؛ فمع اقتراب موعد الانتخابات، ستنخرط فئات أكبر في الأجواء. لكن في كل الأحوال، لن تبلغ نسبة المشاركة معدلات عالية، خاصة وأنه لا توجد جداول للمسجلين كما في الانتخابات السابقة، بعد أن تقرر اعتبار كل مواطن ناخبا حكما. وبهذا المعنى، إذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة 30 %، فهي بالقياس للانتخابات السابقة تعادل 60 %.
الأهم في اعتقادي ليس نسبة المشاركة في الاقتراع فقط، بل تمثيل القوى السياسية والاجتماعية في الترشيحات، وهي على ما يبدو 100 %.
والأمر الثاني المهم، هو نزاهة العملية الانتخابية، وقناعة الرأي العام والقوى المشاركة بأن مخرجات الصناديق تطابق مدخلاتها.