هل هي ذكية حقا؟/ جمانة غنيمات

تبالغ الحكومة في استعراض منسوب الذكاء في “البطاقة الذكية” التي بدأت بإصدارها منذ مدة؛ على اعتبار أن ما قامت به يعد منجزا كبيرا، يشمل نقل عمل دائرة الأحوال المدنية ومضمون قاعدة بياناتها من حالة إلى أخرى أكثر تقدما.

لكن الحقيقة غير ذلك! فالبطاقة الجديدة، وباستثناء الاسم والشكل، لا تكاد تتضمن معلومات وبيانات تختلف كثيرا عن تلك التي احتوتها البطاقة السابقة. إذ اقتصرت البطاقة “الذكية” على معلومات تتصل بخمسة بنود، فيما كان مخططاً لها أن تضم 18 بندا؛ بمعنى أن التطبيق العملي لم يتجاوز ثلث المخطط له.

فما يتوفر من بيانات الآن، يتضمن المعلومات الشخصية عن المواطن: صورته الشخصية؛ البصمة العشرية (بصمة اليد)؛ بصمة العين؛ التوقيع الإلكتروني (التوقيع الرقمي)؛ فصيلة الدم. أي إنها بطاقة تعريفية للمواطن في المعاملات المختلفة.

البطاقة الجديدة كانت ستكون منجزا حقيقيا، وذكية بحق، في حال طُبّقت الفكرة كاملة، فشملت كل البيانات، لاسيما أن البطاقة نفسها مهيأة لذلك، وتتوفر فيها مواصفات وخصائص “عالمية”، ما يجعلها جاهزة، فعلاً، لإضافة خدمات وخصائص أخرى مستقبلا، بعد انتهاء المرحلة الأولى، وبالتدريج.

الكلام الرسمي رومانسي وجميل، لكن كل ما يُحكى لا ينفي أن النقص في المعلومات كثير، وهو ما يؤكد ضمنيا أن البطاقة الجديدة ليست ذكية بالكامل، ولا يخفي حقيقة أنها لم تتضمن -حتى الآن- البنود الأكثر صعوبة، والتي لا يتوفر لبعضها قاعدة بيانات، ومن ذلك التأمين الصحي، ومخالفات السير، والمعونة الوطنية، والضريبة، والضمان الاجتماعي، وغيرها من الخدمات والتطبيقات.

وحفظا لماء وجهها مستقبلا، وفي حال لم ينجح تطبيق الفكرة، ستقول الحكومة بعد تنظير طويل إن النجاح بإضافة البيانات والخدمات والتطبيقات الإضافية كاملة، سيعتمد على جاهزية المؤسسات المعنية تقنيا وفنيا، والدعم التشريعي والقانوني لإدخال مثل هذه التطبيقات.

المرحلة الأولى من مشروع “البطاقة الذكية” -والتي انطلقت مع بداية حزيران (يونيو) الماضي وتستمر حتى نهاية آب (أغسطس) المقبل- ستتضمن العمل على إصدار حوالي 3 ملايين بطاقة، تُمنح للمواطنين الذين تزيد أعمارهم على 18 سنة. ويفترض بعد ذلك أن يُستكمل إدخال باقي البيانات على البطاقة.

ومن ثم، يمكن القول إن ما تم حتى اللحظة لا يشكل شيئا جوهرياً في تنفيذ الفكرة، لأن الأصعب هو ما تم تأجيله، خصوصا أن الربط بين المؤسسات ليس مسألة سهلة. والعاملون في هذه المؤسسات يدركون أكثر من غيرهم حجم المعيقات التي تحول دون ذلك. فيما إذا نُفّذت “البطاقة الذكية” بشكل مثالي، فستكون أفضل شيء حدث للتخطيط والمخطط في البلد.

ثمة مسألة أخرى تحتاج إلى تنفيذ، وهي إعلان مراحل استكمال البيانات كاملة، وربط كل الدوائر المعنية مع دائرة الأحوال المدنية. أي استكمال البطاقة وفق خطة زمنية وعملية واضحة، فيعلم الناس أن القصة أكثر من بطاقة منزوعة الذكاء إلى حين.

لطالما كانت لدينا مشكلة في توفير قواعد بيانات بشأن الفقر والبطالة، وأيضا التأمين الصحي والدعم النقدي والمعونة الوطينة؛ وكثيرا ما كان التشبيك بين المؤسسات قصة تواجهها الكثير من المعيقات. وتجاوز التحديات وإنجاح الفكرة، يحتاج خلية عمل تشترك فيها جميع المؤسسات ذات العلاقة، وعلى رأسها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المعنية أساساً بتطبيق “البطاقة الذكية”.

الفكرة لاقت اهتماما ملكيا كبيرا. وليس هناك من دعم أكثر من ذهاب جلالة الملك بنفسه إلى دائرة الأحوال المدنية لاستخراج بطاقته. وهو ما يعني أن الفشل في استكمال المشروع سيمثّل مشكلة كبيرة. أما النجاح، فيستلزم أكثر من حملة علاقات عامة وزيارات ميدانية للوزراء والمسؤولين، في وقت يتأجل العمل الحقيقي على توفير البيانات وربطها بدائرة “الأحوال”.

حفظا لماء الوجه، يمكن للحكومة أن تقول إنها ستكون “بطاقة ذكية”، لكن بعد حين.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري