حرب الإسلام السياسي في تركيا/ فهد الخيطان

لا تتوقف تداعيات المحاولة الانقلابية في تركيا. حملة التوقيفات متواصلة على مختلف المستويات. لكن، وبالتزامن، تتجه الرئاسة التركية لاتخاذ قرارات ذات طبيعة استراتيجية، من قبيل إعادة هيكلة الجيش وبعض الأجهزة الأمنية، وقطاعات مدنية كالتعليم والقضاء.

في ضوء ذلك كله، يبدو ضروريا الاتفاق على تعريف أو توصيف دقيق للمحاولة الانقلابية الفاشلة؛ هل هي محاولة الجيش الانقلاب على النظام، أم محاولة جماعة فتح الله غولن؟

في البداية، وُجهت أصابع الاتهام حصرا للجيش، كونه الطرف الذي تحرك ميدانيا وقاد ضباط نافذون فيه محاولة السيطرة على الحكم. لكن بعد وقت قصير، برز اسم فتح الله غولن وجماعته كمتهم أول.

وأكدت مجريات الأحداث بعد ذلك، وحسب الرواية الرسمية التركية، أن جماعة غولن هي التي حركت قطاعات في الجيش لتنفيذ الانقلاب، فيما كان عناصرها في قطاعات أخرى يتأهبون لاستكمال المهمة، قبل أن يفشل الانقلاب في مرحلته الأولى.

وأعطت السلطات التركية الانطباع بعد ذلك بأن جميع الموقوفين على ذمة التحقيق، والذين زاد عددهم على 13 ألفا، هم من منتسبي جماعة غولن. لكن ليس هناك من جهات مستقلة تؤكد صحة هذا الادعاء، بانتظار تحويل المتهمين للمحاكم لتبيان الحقيقة.

المهم أن سياق الأحداث في تركيا أجاب عن السؤال السابق؛ جماعة الداعية فتح الله غولن هي المسؤولة عن الانقلاب، وليس الجيش. وفي ذلك استدراك من طرف السلطات التركية للجم حملة العداء التي استعرت بحق المؤسسة العسكرية، وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات وخيمة إذا ما تكرس الانطباع بأن الجيش عدو للسلطة الحاكمة.

بالنسبة للحزب الحاكم في تركيا، كان ربط الانقلاب بالجيش يخدم سردية الحكم في تركيا، بما للأتراك من تاريخ مرير مع انقلابات الجيش على السلطة. وكان يكفي القول إن العسكر انقلبوا على الحكم، لتأليب الشارع ضدهم. وهذا ما حصل فعلا ليلة الانقلاب، وحرك جماهير غفيرة لا تنتمي كلها لمعسكر الحزب الحاكم، للتصدي للدبابات. وهو السبب نفسه الذي دفع بأحزاب المعارضة في تركيا إلى الوقوف صفا واحدا ضد انقلاب العسكر.

الآن، وبعد أن تم تعريف الانقلاب على نحو مختلف، فبماذا يمكن أن نصف ما جرى وما تلاه من أحداث؟

جماعة فتح الله غولن هي جماعة دينية بامتياز، كانت حليفا وثيقا لحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان. وهي بهذا المعنى، تيار أو حركة من حركات الإسلام السياسي.

لقد نشطت هذه الحركة على مدار سنوات في تركيا وخارجها، بفضل تحالفها مع حزب العدالة والتنمية. ومثلما ساهمت في نجاحاته في الانتخابات، ووقفت إلى جانبه في العام 2008 بعد توتر العلاقة مع المؤسسة العسكرية، منحتها حكومة الحزب الحاكم حرية في النشاط، حتى تحولت إلى واحدة من أكبر المؤسسات الاستثمارية في تركيا. ويقدر خبراء ثروتها بما لا يقل عن 100 مليار دولار.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الزميل والصديق د. باسم الطويسي أشار في مقال له في “الغد” إلى هذا الجانب المهم في المحاولة الانقلابية، بوصفها الحقيقي كمواجهة نارية بين تيارين من صلب حركات الإسلام السياسي.

ولا شك أن من يدقق في المجابهة المفتوحة حاليا بينهما، يخلص إلى الاستنتاج بأن المحاولة الانقلابية في تركيا ما هي إلا صراع على السلطة بين طرفين ينتميان إلى مدرسة الإسلام السياسي، وليس كما يقال من قبل البعض؛ مواجهة بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية المنتخبة.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري