بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا، سارع مراقبون ومعلقون إلى مقارنته بالانقلاب “الناجح” في مصر، والذي أطاح برئيس منتخب.
في المقارنة ظلم للطرفين؛ فثمة فروق كبيرة بين التجربتين التركية والمصرية.
التجربة الديمقراطية في تركيا عريقة ومتجذرة، رغم ما عانته من انقلابات عسكرية في تاريخها الحديث. الأحزاب السياسية في تركيا قوية ومتجذرة في الشارع. والحزب الحاكم في تركيا، والذي يتقاطع في بعض توجهاته مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، يحكم البلاد منذ 14 سنة تقريبا، ويحظى بدعم شعبي واسع، ويسيطر على مؤسسات أمنية وعسكرية، ومعظم مرافق الدولة البيروقراطية.
في مصر الوضع مختلف تماما؛ الأحزاب كانت قبل الثورة ضعيفة ومعزولة، وبعضها محظور تماما. ومن كان منها في البرلمان مجرد ديكور. وبعد الثورة، كان الائتلاف الفائز في الانتخابات؛ الإخوان والتيار السلفي، لا يملك أي نفوذ في مؤسسات الدولة، بينما المؤسسة العسكرية التي كان لها الحضور القوي في المشهد المصري، والدور الحاسم في تنحي حسني مبارك، هي من تولى السلطة رسميا في المرحلة الانتقالية، ولم يكن يعوزها الكثير من الجهد للعودة متى شاءت.
وحين وقوع الانقلاب، كانت مصر ما تزال في مرحلة انتقالية، ومنقسمة على نفسها، ولم يمض على تسلم الرئيس المنتخب محمد مرسي أكثر من سنة واحدة.
تركيا تعاني من انقسام سياسي، لكنها موحدة حيال مستقبلها. وقد حسمت كل القوى خياراتها بتبني الديمقراطية كأسلوب حكم لا رجعة عنه.
وفي مصر، لم يقع الانقلاب على نحو مفاجئ كما حصل في تركيا، لا بل يمكن القول إن التحضيرات له كانت تتم بشكل علني. وتم التمهيد له بتحرك واسع في الشارع، حين نزل الملايين إلى شوارع القاهرة والمدن المصرية مطالبين باستقالة رئيس الجمهورية. في تركيا الصورة مختلفة تماما؛ فقد نزل عشرات الآلاف في غضون ساعتين ضد الانقلابيين، وتصدوا بأجسادهم العارية للدبابات.
كان لدى الأتراك من مكاسب ديمقراطية واقتصادية ما يستحق التضحية، فيما الشعب المصري في بداية عهده مع الديمقراطية، ولم يذق طعمها بعد. وبعد استلام الجيش السلطة في مصر، اقتصرت المعارضة له في الشارع على جمهور الإخوان المسلمين. وبينما شهدنا في تركيا حملة اعتقالات واسعة للانقلابيين، شارك فيها المدنيون، حدث العكس تماما في مصر؛ إذ تولى الجيش وأجهزة الدولة التي ساندته، تنفيذ حملات اعتقالات واسعة لمعارضي الانقلاب.
أحزاب المعارضة في تركيا عارضت الانقلاب بنفس قوة معارضته عند الحزب الحاكم. أما في مصر، فقد نجح الجيش في استمالة أبرز القوى إلى جانبه، خاصة المحسوبين على التيار السلفي، وأحزاب تقليدية تعود لزمن مبارك. ومن وقف ضد الانقلاب من غير الإسلاميين، كانت أحزابا صغيرة ومعزولة في الشارع.
في تركيا لم تكن قيادة الجيش هي من قامت بالانقلاب، إنما مجرد قطاعات قليلة، لا تحظى بدعم القيادة العليا في الجيش. في الحالة المصرية الجيش كان موحدا خلف السيسي، ونفذ خطة السيطرة على الحكم بسلاسة، وتسلم السلطة.
وثمة فرق جوهري آخر بين الانقلابين يتمثل بكاريزما الزعيمين؛ أردوغان في تركيا ومرسي في مصر. أردوغان حرك الملايين للتصدي للانقلابيين بمكالمة هاتفية. مرسي تحركت ضده الملايين بعد أقل من سنة على وصوله الحكم.