يعترف رئيس الوزراء د. هاني الملقي، بأن مداخيل العاملين في القطاع العام لا تكفي لإبقائهم ضمن الطبقة الوسطى؛ فرواتبهم -بإقرار الرئيس نفسه أيضاً- لا تمكّنهم من الوفاء بالمستلزمات الأساسية.
ولدى د. الملقي، إزاء ذلك، حلم بتحسين أوضاع هذه الشريحة. لكنه حلم يصطدم دائما بمعطيات وأرقام الواقع، والتي تقول إن الإمكانات لا تكفي لتحقيقه، كما غيره من أحلام وتطلعات الرئيس.
لماذا؟
لأن القطاع العام نما من دون ضوابط، حتى وصل حجمه الآن حدوداً حسّاسة، إن لم تكن خطيرة. فالصورة بمجملها، كما تفاصيلها المتعلقة تحديداً برواتب العاملين في هذا القطاع، لا تساعد على تحقيق الأحلام.
اللغة الرومانسية ربما تقود إلى التفكير بزيادة المداخيل، إلا أن السؤال: هل تستطيع الخزينة تحمل ذلك، وهي المثقلة أصلاً بمديونية كبيرة انفلت عقالها منذ سنوات؛ وفي ظل وضع اقتصادي صعب، يتجسد خصوصاً في استمرار حالة التباطؤ الاقتصادي؟ هل تقدر وزارة المالية التي تدفع مبلغ 400 مليون دينار رواتب شهرية، تحمّل زيادة كبيرة على هذا البند، لاسيما أن الأثر الكبير لإعادة هيكلة رواتب العاملين في القطاع العام قبل سنوات، على موازنة الدولة، ما يزال ماثلا؛ إذ ما تزال الخزينة تسدد خطأ تقدير كلف تلك “الهيكلة” التي قيل إنها لن تتجاوز 80 مليون دينار سنويا، لكنها فاقت في الحقيقة مبلغ 300 مليون دينار؟
حجم القطاع العام ونموه، لا يمثلان مؤشر صحة على الإطلاق، لأنه بات اليوم يستهلك نسبة 42 % من الناتج المحلي الإجمالي، بل يرتفع وفق تقديرات أخرى ليبلغ نحو 65 %.
وتضخم القطاع العام يحول دون تحقيق حلم الرئيس. ولا تملك الحكومة، أي حكومة، ترف التفكير في زيادة الرواتب، رغم الإدراك العميق لعدم كفايتها لمعيشة لائقة للعاملين. وربما يكون أحد أهم أسباب هذا التضخم ونتائجه، أن ثقافة تعيينات المنافع والمكتسبات، تفوقت على كل المعايير الحصيفة لإدارة القطاع العام.
تقييم المشكلة مهم، أقله حتى تدرك مؤسسات الدولة حجم ما يعانيه موظف القطاع، نتيجة لعدم كفاية الدخل. فهذه الشريحة كانت تاريخيا عماد الطبقة الوسطى، لكن نتيجة كل التغيرات التي مرت بالاقتصاد، صار كثير من أبناء هذه الشريحة بالكاد قادرين على البقاء صامدين في وجه الضغوط نحو الانزلاق إلى ما دون خط الفقر.
وللوضع القائم نتائج كارثية أخرى، يجسدها غياب الولاء للوظيفة العامة. كما بتنا نرى مسلكيات خطيرة وممارسات من البعض ترفضها قيمنا، تتعلق بنزاهة موظف القطاع العام، وبحيث بدأ يظهر جلياً انتشار ما يسمى “الفساد الصغير”؛ الرشوة.
لكن رغم كل هذه المعطيات السلبية؛ فإن الثقل الكبير الذي يحمله الاقتصاد من تنامي القطاع العام، كما شكوى الناس من قلة الأجور فيه، فإننا ما نزال نرى نسبة كبيرة من الأردنيين يحلمون بوظيفة عامة، ويصرون عليها! الأمر الذي يؤشر إلى خلل كبير يحتاج إلى إصلاح.
جدير بالرئيس أن يعدل أحلامه حتى تكون ممكنة، ويقدر على تحقيقها. إذ عليه مثلا، وكخطوة أساسية، إقناع الأردني بالعمل في القطاع الخاص، متضافراً ذلك مع وضع الحكومة خططا للارتقاء بمؤهلات الشباب. أما حلول القطاع العام، فهي مؤجلة إلى حين على الأقل، وأغلب الظن أنها لن تتحقق إلا بوجود قطاع خاص قوي قادر على ملء مكان القطاع العام في موضوع التشغيل.
تحقيق الأحلام يحتاج أكثر من الأمنيات والدعوات.