أعرب السياسي السوري المعارض ميشيل كيلو عن شعوره، مع المعارضة السورية، بالخداع والخيانة من قبل الإدارة الأميركية، التي كانت تسير عملياً في خطة مغايرة تماماً لما تعلنه دبلوماسياً في موقفها من بشار الأسد!
الخطة التي تحدّث عنها كيلو هي تلك التي أعدّها خبراء لمؤسسة “راند” الأميركية المعروفة للأبحاث والدراسات، وجاءت على مرحلتين: الأولى، في كانون الثاني (يناير) 2015، ثم جرى تطويرها في نيسان (أبريل) 2016، بناء على التطورات الميدانية التي حدثت خلال ذلك.
بالطبع، لم تتبنّ الإدارة الأميركية “خطة راند” رسمياً. لكن مؤسسة راند -كما هو معروف- بمثابة أحد أهم مراكز التفكير المدعومة والقريبة من وزارة الدفاع الأميركية، هذا أولاً. أمّا ثانياً -وهو الأهمّ- فإن من يقرأ تفاصيل الخطة التي جاءت بعنوان “خطة سلام من أجل سورية” (A Peace Plan for Syria) سيجد أنّها البرنامج الحقيقي لما تطبقه السياسة الأميركية على الأرض، لا ما تدّعيه دبلوماسياً وسياسياً.
الفكرة الجوهرية للخطة تكمن في إعادة تعريف المصالح الأميركية في سورية بصورة كاملة، لتتخلّى الإدارة الأميركية تماماً عن فكرة إزاحة الأسد عن السلطة، التي تعتبرها الدراسة فكرة غير قابلة للتحقق عملياً على المدى القريب، والتخلّي عن فكرة إقامة سورية ديمقراطية مدنية تعددية، إذ يعتبرها هؤلاء الخبراء بمثابة مثاليات لا يمكن تحقيقها على الأرض!
إذن، ما هو البديل المطروح؟ إنه، باختصار، تثبيت الهدنة مبدئياً، واعتبارها ضرورة أولى وشرطاً لنجاح المفاوضات السياسية؛ وتقسيم سورية إلى أربع مناطق مبدئياً: الأولى تمتد من اللاذقية مروراً بحمص وحماة، وجزء بسيط من حلب، وصولاً إلى دمشق، وتكون في عهدة النظام، بضمانة روسية؛ ثم المناطق الكردية (الشمالية)؛ والثالثة تلك التي تسيطر عليها المعارضة السورية، سواء في إدلب (وتتولى تركيا، كطرف إقليمي، رعايتها) ودرعا والجنوب (ويتولى الأردن رعايتها)؛ فيما تبقى المناطق الأخرى (الرقة ودير الزور وجزء من البادية السورية) بيد “داعش”.
يتوقع الخبراء الثلاثة الذين أعدّوا الخطة، أن تلتزم المناطق الثلاثة والرعاة الدوليون والإقليميون لها، بالهدنة العسكرية، فيما تبقى المناطق التي تحت سيطرة “داعش” هي الوحيدة التي لا تشملها الهدنة. لذلك، مع مرور الوقت وتكريس وقف القتال والانتقال في المفاوضات السلمية، من الضروري أن يتفرغ الجميع لقتال “داعش” وإنهاء نفوذه في المناطق التي يسيطر عليها. وفي حال تحقق ذلك، توضع تلك المناطق أوّلياً تحت إشراف دولي وإقليمي.
في مرحلة لاحقة، تتوقع الخطة أن تكون هناك صيغة فيدرالية أو كونفدرالية تجمع المناطق المختلفة، لصعوبة بقاء سورية دولة “موحّدة” كما كانت عليه الحال سابقاً.
تطرح الورقة أربعة خيارات للصيغة المقترحة لعلاقة “الأجزاء” السورية السابقة ببعضها، ولفكرة الحل السياسي، ضمن مفهوم “اللامركزية”، تبدأ بما سمته “اللامركزية المخففة”، وصولاً إلى المؤسسية، وغير المتماثلة، وأخيراً اللامركزية المتماثلة. وجميع هذه السيناريوهات تقوم على مفهوم تكريس الأمر الواقع نسبياً؛ أي إقرار كل طرف على المناطق التي يسيطر عليها، مع بعض التنازلات وتبادل الأراضي، بخاصة بين المعارضة والنظام في حلب ودمشق (أي انسحاب المعارضة من ريف دمشق والنظام من حلب)، وصولاً إلى إعادة تعريف الهدف الرئيس ليصبح “وقف الحرب الأهلية” وليس إزالة النظام السوري.
المفارقة أنّ الخبراء يعتبرون، ضمنياً، تركيا والسعودية عائقاً أمام الحل، لإصرارهما على “إسقاط الأسد حتى آخر سوري”، بينما الأردن والإمارات ومصر هم الأقرب إلى رؤية الولايات المتحدة. ويرون -أي الخبراء- أنّ مشاركة حزب الله ضرورية لاستقرار الهدنة العسكرية.
الخطة، بما تحتويه من تفاصيل وتستبطنه من رؤية أميركية حقيقية لما يجري في سورية، مهمة جداً لفهم ما يحدث هناك، وحقيقة الموقف الأميركي!