الانتخابات.. أرزاق/ فهد الخيطان

الانتخابات موسم للمشاركة السياسية والممارسة الديمقراطية. ويبلغ الاحتفاء بهذه المناسبة في بلداننا حد وصفها بالعرس الديمقراطي. وثمة تشابه كبير بين طقوس المناسبتين؛ الأعراس والانتخابات؛ صواوين وسهرات، وموائد وحلويات، وإطلاق الرصاص احتفالا بالفوز أو شغبا بعد الخسارة. وفي الحالتين، تحضر النقود؛ “نقوطا” في الأعراس، و”مساعدات” مباشرة للناخبين.

ومن يدقق في العملية الانتخابية، سيجد أنها موسم طيب للمشاركة الاقتصادية أكثر من كونها مناسبة سياسية. باختصار، القيمة المضافة للانتخابات مادية بالدرجة الأولى.

الانتخابات فرصة لتوفير مئات فرص العمل للشباب في حملات المرشحين ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالتدريب ومراقبة الانتخابات.

أصحاب محال الحلويات والمطاعم، هم أكثر الفئات مشاركة في العرس الديمقراطي، ويظهرون اهتماما بهذه المناسبة يفوق اهتمام الأحزاب السياسية. وبالطبع تجار القماش، والخطاطون، والشركات الإعلانية والمطابع، وشركات تأجير السيارات والباصات.

وهي لوسائل الإعلام مناسبة لا تفوّت. وعادة ما تشهد مرحلة الانتخابات ولادة عشرات المواقع الإلكترونية والمجلات المتخصصة بمطاردة المرشحين لكسب ودهم بكل الوسائل القانونية وغير القانونية.

وتنشط في الانتخابات ما يمكن تسميتها “شركات الوساطة الانتخابية”؛ سماسرة متخصصون بجمع بطاقات الناخبين، ومساومة المرشحين عليها. وفي الأسابيع الأولى من الحملة الانتخابية، تطرح هذه البطاقات بأسعار معقولة، ثم تتحول إلى سوق سوداء ليلة الانتخابات وفي الساعات الأولى من يوم الاقتراع.

بالنسبة لفئة المخاتير وأصحاب النفوذ العشائري والمناطقي، تعتبر الانتخابات مناسبة لاستعراض الجاه والحضور، يتسابق المرشحون على كسب ودهم والتقرب منهم.

لكن هذه المكاسب، على أهميتها، لا تساوي شيئا أمام ما تجنيه مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة بالانتخابات من منح وهبات أجنبية، لقاء دورها في النهوض بوعي الناخبين، خصوصا النساء والشباب، وتدريب المرشحات على خوض الانتخابات وتنظيم الحملات الانتخابية.

وصار لرواد التمويل الأجنبي في الأردن خبرة واسعة في اشتقاق البرامج والأفكار الجاذبة للتمويل الأجنبي.

النساء على وجه التحديد يحظين باهتمام منقطع النظير في موسم الانتخابات. لا يغفو لهن جفن إذا لم يتأكدن من ضمان حق كل سيدة في المشاركة بالانتخابات. بصراحة، النساء مصدر رزق لا يعرف قيمته إلا من امتلك شركة “مجتمع مدني” أو منظمة نسوية.

وعادة ما تشهد المراحل التحضرية صراعا خفياً بين أصحاب تلك المنظمات على المنح المخصصة للانتخابات، ويتسابق “الشطار” في إعداد أوراق العمل والبرامج الجذابة، لنيل أكبر حصة ممكنة من الجهات الدولية.

بالنسبة للأحزاب السياسية، الانتخابات موسم لتحقيق المكاسب المادية. وثمة جدل لا ينتهي حول تقديم دعم مالي للأحزاب المشاركة في الانتخابات، و”مكافأة” مجزية لمن يحصل على مقاعد في البرلمان. وعلى الجانب الآخر، تساهم بعض الأحزاب القوية برفد النشاط التنموي والخيري بشكل ملموس في الانتخابات، عن طريق تقديم الدعم العيني للفئات الفقيرة، وتوزيع طرود الخير، والتكفل بدفع الرسوم الجامعية للطلبة. ويتساوى في ذلك المرشحون المقتدرون من أصحاب الشركات والمقاولات ورجال الأعمال.

وخلف الكواليس، هناك من يشير إلى صنف جديد من المنفعة الاقتصادية، يتمثل في الدفع لمرشحين مقابل دخول قوائم الكبار؛ “كمالة عدد” بالقول الشعبي الدارج، التزاما بشروط تشكيل القوائم الانتخابية.

كما تلاحظون إذن؛ المنافع الاقتصادية للانتخابات تتجاوز قيمتها السياسية، وتشمل فئات واسعة من المجتمع. لا بل إنها أكثر عدالة في التوزيع من خطط الحكومات التنموية.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري